مساجدنا بيوت للعبادة أم لتصفية الحسابات
من أهم الأعمال اليومية في حياة كل إنسان هو التحرك والسير على الخط الإلهي ومنهجه، ويعتبر المسجد هو المحطة المُثلى الرئيسية للانطلاقة والعبادة، فهو محط الإمداد الروحي والإنساني بالطاقة العبادية والروحية، فتصقل روحه والتزامه بالمنهج الإلهي كما تعمل على ضبط حركة حياته الثقافية والاجتماعية.
المسجد هو المحطة الرئيسية للعبادة، كما صرحت بذلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وهو محطة مهمة للقاء المؤمنين.
المسجد لغة: بيت الصلاة وكلمة «س - ج - د» تدل على التذلل، وكل ما ذل فقد سجد، وعرف بأنه موضع من الأرض يُسجد لله فيه، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ الجن 18. وقال تعالى ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ الأعراف 29، وفي الحديث عن جابر عن النبي محمد ﷺ ”جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيُّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة، فليصلِّ“ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، في التوراة مكتوب: إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيام ”ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج8، ص373، وعن الإمام علي أنه قال: ”من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء“ وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص197.
والكثير الكثير من الأحاديث والآيات الكريمة التي تُرغب وتحث على الصلاة في بيوت الله، ناهيك عن الآداب الخاصة بدخول المساجد في الشريعة الإسلامية والتي ذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية وغيرها، ولايخفى على أحد الدور الريادي للمسجد كونه بيت عبادة ورسالة فهو يجمع بين متطلبات الدنيا والآخرة قال تعالى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ البقرة 102، فهو واحة للأرتباط الوجداني والروحي وإلإيماني بالعبادة بتسبيح لاينقطع من اللسان والقلب وجميع الجوارح، كما أنه مقر إصلاح للنفس والمجتمع بإيجاد علاقات مترابط ومتراحمة بين المؤمنين، قال جل وعلا في محكم كتابه الكريم ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ الفتح 29.
وبعد جرعة روحية إيمانية خرج بها المؤمنون بشهر رمضان المبارك داعياً إيانا إلى التراحم والتعاطف والتآخي والبذل والسخاء بعدما اضفى علينا صيام شهر رمضان الفضيل ما أضفاه من نقاء بالضمائر وطهر بالسرائر والسمو النفسي والأخلاقي، إلا أن مساجدنا وإداراتها وروادها للأسف الشديد لا ترتقي لمستوى السمو النفسي واخلاقي للوصول للتسامح والتراحم المنشود، لما تتلمسه وتسمعه وتشاهده بين الفينة والأخرى من ضغائن بالنفوس وأحقاد تفوح بالعيون ونفور واضح بين مرتاديها، مما شكلت هذه الحالة القديمة المتجددة من عزوف عن ريادة المساجد والانتقال من مسجد لأخر طلباً للراحة النفسية والأخلاقية، هي ظاهرة نجدها في أغلب مساجدنا وذلك ناتج عن سوء إدارتها وافتقادها لفن التعامل مع الجمهور، هي حقائق وشواهد جلية وواضحة نجدها في جل مساجدنا يتهامس بها المرتادين وقد يخجل أن يهجر بها البعض رغم الأضرار الجمة التي تخيم بها على المجتمع والتي لا تبالي بتبعات هذه الأضرار والتصرفات الغير مسؤولة.
نحن بحاجة لإحياء ونشر روح المحبة والإخاء والنظرة الإيجابية وروح السلام والتماسك بعيداً عن الحقد والكراهية والأفكار السلبية، فالإسلام دين المحبة والصفاء والألفة وهو يشيع مبدأ الأخوة الإسلامية، فمجتمعاتنا مرهونة باستمراريتها بمدى نجاح البناء الاجتماعي، فأفراد المجتمع هم اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات وتطوع أفراده بمجالات الخدمة المجتمعية ناتج لنموذج العطاء وإثبات على غرس قيم دينية ووطنية لبث روح التسامح والأخوة بين أبناء المجتمع، فالحياة لا يمكن أن تنمو وتزدهر في محيط يفتقر للوحدة والتفاهم والتعايش الاجتماعي.