قصة
يوم جديد
وفاء ومرام صديقتان وجارتان، وزميلتا دراسة منذ المرحلة الابتدائية، حتى الثانوية لم تفترقا أبدًا، وتخصصتا معًا في كلية العلوم الصحية لدراسة التمريض التي زادت من علاقتهما، لتكون الأربع سنوات، المحطة الأكبر التي جعلتهُما تعرفان تفاصيل حياة كلّ منهما، لتكون الملاذ للأخرى.
بعد تخرجهما من كلية العلوم الصحية بقرابة شهر، تم توظيفهما في إحدى المُستشفيات الحكومية معًا، كأنما القدر أراد لهما ألا تفترقا، لعله يُفصح عن شيء، لم يكن في تقاسيم الحاضر، ويكتنزه المُستقبل...
ذات لحظة من الوقت، وبين سمرة القهوة في المقهى القريب من حديقة المدينة الغناء بالخُضرة، ومُوسيقى البحر عبر أمواجه الخفيفة الظل، أخبرت مرام صديقتها وفاء بأن أخاها يوسف يُريد أن يتقدم لخطبتها، وبأنه لن يجد أفضل منها زوجة له، فهو يعرف أخلاقها، وسمعتها، ونسب عائلتها الكريمة.
أشرقت ابتسامة مُشاغبة من مرام، وقالت: طبعًا عرف عنك كل شيء من خلالي، إنني أحببتك جدًا، ولم أدع شيئًا إلا أخبرته به…
احمر وجه وفاء خجلًا، ولم تعط إجابة، فقط، تُحدق في عالم آخر، لم تُتقن لغته بعد.
في صباح اليوم التالي، اتصلت مرام بصديقتها، وأخبرتها بأنها مُشتاقة لرؤيتها في يوم العطلة، والذهاب معها إلى المطعم، ثم إلى السينما، وقضاء يوم مُمتع.
وقفت سيارة مرام بجانب منزل وفاء، رأتها وفاء من نافذة حُجرتها، كانت شغوفة بهذا اللقاء، ولا تعلم، لمَ كل هذا الشغف؟، أيكون السر فيه أن مشاعرها الأنثوية مجدافها أبحر إلى مرساه؟
وصلت الصديقتان إلى المطعم، جلستا على طاولة حجزتها مرام، تتخللها الزهور بألوانها المُختلفة، رائحتها، تملأ المكان، كأنها ليلة رُومنسية، انتاب وفاء الفضول، نبضات قلبها، تهمس في قلبها، بأن ثمة شيئا وراء هذه الدعوة.
بعد قرابة نصف الساعة، تفاجأت وفاء بدخول شاب، تقدم ناحيتهما، وجلس على المقعد بقرب مرام، وعلامات الاستفهام، والارتباك، والذهول أخذت من وفاء كل مأخذ...
قامت مرام، بفك الإبهام، الذي اعترى وفاء.
مرام: هذا أخي يوسف، الذي حدثتك عنه.
بادرت وفاء إلى الخروج من المطعم، لحقت بها مرام، أمسكت يديها، وهي تبتسم، تحدثت معها بلطف، حتى جعلتها تغض الطرف عن الذهاب، وأوضحت لها أن حُضوره، يقتصر على تبادل أطراف الحديث معها، وبأن أخاها رجل مُحترم وخلوق، وخجول أيضًا. هدفه التعرف إليك أكثر قبل التقدم رسميًا لخطبتك.
وفاء: لكن، لماذا لم تخبريني من قبل بحضوره؟
مرام: خفت من رفضك، فأنا أعرفُك جيدًا، وقد أخبرته بذلك، هيا ارجعي، فهذه نظرة شرعية، وأنا سأكون معكما في البداية، ثم انسحب، كي تتحدثا لوحدكُما.
يوسف شاب جريء، عكس ما قالت عنه مرام، أخذ يُعرف بنفسه:
يُوسف: يُوسف، وعمري 25 عامًا، خريج الثانوية العامة، وأعمل حارس أمن في شركة بسيطة، لقد بنى لي والدي شقة بالطابق العلوي من منزلنا، وأرغب بالارتباط بفتاة مُلتزمة، ومُتعلمة مثلك، لكي يكون أبناؤنا في أيد أمينة.
الآن عرفيني بنفسك يا وفاء.
وفاء: وفاء، عمري 22 عامًا، صديقة أختك، ودرسنا معًا التمريض.
انفرجت شفتيه عن ابتسامة يشوبها الإغراء، تجمدت الحُمرة في وجنتيها، وارتسم على مُحياها الخجل الأنثوي، المُطرز بالرغبة المكبوتة.
انسحبت خُطوات مرام بهدوء، لتسمح لهُما بالتحدث على انفراد، ارتبكت وفاء ولم تستطع البقاء، أو النظر إلى يُوسف، لكنه استرسل في الكلام: اهدئي يا وفاء، فأنا أريدُك بالحلال، سأخبُرك بسرّ لا تعلم به مرام.
وفاء: ماذا؟
يُوسف: في زيارتك لأختي مرام، كنت أختلس النظر إليك من النافذة أو السيارة، كان حلمي أن تكوني زوجتي، أنا أحبك وفاء.
وفاء استرجعت أنفاسها، وسألته: ماذا يعني لك الحُب؟ وكيف تُحبني، وأنا لم أتكلم معك قط؟
يُوسف: الحُب أنت، إن الحُب في دنياي، يأتي في ملامحك التي لا تُفارق مُخيلتي، جمالك الذي أخذني إلى أعماق السماء، لأترجمُك الحُب، ابتسامتك تجعلني أتيه في عينيك أكثر، إنها لهفة العاشق لاكتشاف جمالك، أصابعُك الرقيقة، هي راحتي، ألمس بها يديَّ، لأتحسس تفاصيلها...
الآن، وبين المسافة القريبة بيننا، أصغي إلى كلماتك، شغف قلبي أكثر، صوتُك جعلني فراشة، تطير فرحًا، بل ترقص وسط حنايا نبضات الفؤاد.
وفاء عندما نتزوج، سأبوح بأشياء أكثر عن جمالك الفتان الذي جعل من نُوتات شرياني همسًا على شُرفات الهوى.
وفاء تتصبب عرقًا، فهي أول مرة تتكلم مع شاب، وتسمع هذه الكلمات، فقالت بتعجب: كل هذا الكلام لي؟
يُوسف: وتستحقين أكثر، هذا مُجرد نقطة في بحر حبي لك، أنت يا وفاء فتاة حسناء، عيناك واسعتان، كحيلتان، ابتسامتك ساحرة، نظرتك خاطفة، وقوامك مملوء بالعاطفة.
قذف في واحة غيابها، شُرودها ما أيقظها من حلم جميل، نسجته في لحظات، لتُسافر فيه.
يُوسف: وفاء، وفاء ما بك؟، فقد أخذنا الوقت، وأنت لم تشربي العصير.
سحرتها الكلمات، فهي كلمات لم تستأذن القلب، بل أشعلت اللهب فيه، فعيناه غازلت الهُدب، يا تُرى هل عشقت وفاء الكلمات، التي كانت بالنسبة إليها ليست كباقي الكلمات في قاموس حياتها، أم رُوحها كانت تُصغي للهمسات، فهو ما زال يواصل حديثه معها، وجاء بمثابة حُبيبات مطر زادتها خجلًا، وجعلتها، كعُصفور يُرفرف بين المزُون.
رجعت مرام، وهي تبتسم: أرى كناري الحُب مازالا، يُغردان.
وفاء: هيا يا مرام، لقد تأخرنا كثيرًا، مع السلامة يا يُوسف.
عادت وفاء إلى المنزل، وبعد لحظات قليلة هاتفها يُوسف: اعذُريني لقد أخذت رقم هاتفك المحمول من أختي دون أن تعلم، لقد اشتقت إليك كثيرًا، أريد أن أسمع ردك الآن، فلم تعُد لي قوة على الانتظار، هل أنت مُوافقة؟
وفاء: سأخبر أهلي بذلك، و”إن شاء الله خير“. أنهت المُكالمة، ونثرت شعرها على وسادتها، تُحدق بتأمل، وتستذكر كلماته، ونظراته، إنه حلم لا تُريد أن تصحو منه.
وفي الصباح بعد الانتهاء من تناول الإفطار، أخبرت وفاء والدتها بأن أخا صديقتها يُريد أن يتقدم إلى خطبتها. رحبت أمها، فهذه ابنتها البكر، وتُريد أن تفرح بها.
قالت سوسن أختُها الصغيرة: لكنه ليس في مستواك التعليمي والاجتماعي.
لم تُصغ وفاء إلى تعليق أختها، أو ربما لم تُرد أن تسمعه، فإن كلمات يُوسف مازالت تهمُس في أذنيها، وتُدغدغ مشاعرها.
تم الزواج وسط أهازيج الفرح والسُرور بين العريسين وذويهما في حفلة تجمع فيها الأهل والأحباب.
وفي اليوم التالي سافر العروسان إلى ماليزيا لقضاء شهر العسل، عاشا أجمل الأيام في التنزه والغزل، وانتشاء اللحظات الحالمة...
يُوسف: هل أنت سعيدة يا وفاء؟
وفاء: أشكر الله أني وجدتُك، أخيرًا وجدتك، كنت أبحث عن الحُب في دواوين الشعراء، لأتعرف على غربتهم في عينيك، أخيرًا وجدتك، أحبك يا يُوسف، نبض قلبي، تدفق عندما عرفت الحُب بين أحضانك، حياتي بدأت منك وفيك، وحين سمعتُك.
يُوسف: ماذا سمعت؟
وفاء: أحرف اسمي على شفتيك، فرحة لا يُستطاع وصفها...
يُوسف: أياك أحب.
وفاء: ههههه، وأنا أعشقُك.
وبعد عودتهما لأرض الوطن، أعدت الأم لهما حفل استقبال، كانت وفاء جميلة جدًا، سعادة قلبها مُنعكسة على ملامحها.
رجعت لشقتها بعد الحفلة، وفتحت الهدايا، لتُريها يُوسف.
يُوسف: أنت هديتي فلا أريد النظر لأي شيء سواك، لا تُشغليني بغيرك.
اجتاحها الخجل، أخذت تتعطر وتتراقص في مرآة عينيه، تمشط خُصلاتها، تتدلى كعنقود عنب، يُعانق ظهرها الشلال، ينساب على وجنتيها الحمراوتين، يداعب غمازة حنينها، فجأة أخذ المشط بين أصابعه، أنامله قيثارة طيفها، ليعزف وردًا رائحته اللهفة، ويغرق على أوتار الحرير، تُثيره اللمسات، وتُعانقه طربًا الشفاه، يُصوغ بأنفاسه العبقات جمال رمشيها مزهرية خلجاته، يرويها بماء عينيه، حيث يستيقظ المكياج على عينيها الناعستين ولهًا في قبلاته، يُناغي تاج الملكة والطرحة البيضاء، ولا زال يتأملها عشقًا، ويحيك فستان الذكريات.
وفاء فتاة مُجتهدة، تُحب عملها كثيرًا، وتخدم الجميع بكل حُب، وأم مثالية، تُربي أبناءها على الخُلق والأدب الرفيع، فقد منَّ الله عليهما بابنة اسمها نور، في ربيعها الخامس، وابن اسمه علي في ربيعه الرابع، فهي تعلمهما القراءة والكتابة، وتشجعهما على حفظ القرآن الكريم.
إنها زوجة بكل معنى الكلمة، فهي تُوازن بين عملها وأسرتها.
اشترت وفاء منزلًا جديدًا، وأعطته توكيلًا ليُسجل المنزل باسمها، فهي تعشق يُوسف، وتثق فيه ثقة عمياء، فقد أعطته بطاقة الصراف، ليتصرف براتبها، إلا أنه لا يُشاركها في التربية، أو أعمال المنزل، لذا فإنها تتعب كثيرًا، لكنها لا تتذمر.
يُوسف يرجع إلى المنزل مُتأخرًا، ولا يرى أسرته مرات عديدة إلا وهم نائمون، وذلك بسبب ظروف وظيفته، ولا يرى وفاء أيضا بسبب نوبات العمل في المستشفى، مما جعل وقت الفراغ، يقض مضجعه، ويجعله يشعر بالملل أحيانًا، وبنقص في العاطفة أحيانًا أخرى.
وبمناسبة المنزل الجديد أعدت وفاء حفلة عزمت فيها صديقاتها وزميلاتها في العمل، انبهر الجميع بجماله، كانت طول الوقت تتحدث عن سعادتها مع يُوسف وحبه لها، مما جعل زميلتها سحر غير المُتزوجة تغار وتتمنى أن تكون مكانها، وبعد انتهاء الحفلة شكروا وفاء على حسن الضيافة والأطعمة الشهية، وتعطروا بالعود والبخور، وأعطتهم أيضًا هدايا تذكارية فرحوا بها كثيرًا.
لا تعلم وفاء ماذا يُخطط من ورائها على رغم نيتها الطيبة مع الجميع، حاولت سحر أن تُراقب منزل وفاء من أجل أن تتعرف على يُوسف، وذات يوم عند عودته، تعمدت أن تفسد إطار سيارتها، لتُوقفه طلبًا للمساعدة، فتوقف يُوسف عند رؤيتها، وقام بإصلاحه لها، فشكرته على صنيعه، وطلبت التواصل معه، فبادلها الرغبة.
تتعمد سحر أن تتصل به ليلًا عندما تكون وفاء في العمل، فهي تعرف جدولها جيدًا، تعلق بها كثيرًا مع استمرار الحديث بينهما، فكانت بارعة في كسب قلبه بسرعة فائقة وسد الفراغ الذي كان يغشيه.
اتفقا على الزواح بالسر... تزوجها. وعندما عرفت أنه يملك وكالة عامة كان شغلها الشاغل أن تجعله بدهائها يكتب المنزل باسمها ويصير من نصيبها كما استولت عليه زوجًا.
بينما كانت أخت وفاء سوسن آخر العنقود تتمشى في المجمع التجاري مع صديقاتها لمحت يُوسف مع فتاة في الكافيه، يحتسيان القهوة معًا، لم تصدق ما رأت، حين عودتها أخبرت أمها بذلك، ولكن الأم أصرت عليها ألا تُخبر أختها بذلك، وتهدم بيتها، وأوضحت لها بأنها ربما تكون زميلته في العمل، وطلبت منها نسيان الموضوع.
مرت الأيام، كانت وفاء راجعة من العمل مرهقة، ولا تستطيع الطهي، فاتصلت بيُوسف لشراء وجبة الغداء.
اعتذر منها، وقال: اشتري أنت يا حبيبتي الغداء ولا تحسبوني معكم، فأنا مشغول، وسأتناول الغداء مع صديقي في العمل.
ذهبت وفاء للمطعم، الذي يفضله أبناؤها، واشترت الوجبة، لكن ماذا رأت؟ رأته مع زميلتها سحر، هل تصدق عينيها أم قلبها؟ خرجت مُسرعة مُتجمدة لا تقوى على قيادة سيارتها من هول الصدمة، كانت تبكي فقط.
كان قلبها مقبوضا، يتخلله الشك من بروده في التعامل معها في الفترة الأخيرة.
رجع يُوسف في المساء إلى المنزل، كانت تنتظره، وطلبت منه أن يُراقصها، مسكت بأطراف أنامله الباردتين، لمست شفتيه الذابلتين، توارت عيناه خلف برقع الكذب، وكانت بردائه رائحة الخداع... لماذا فقط هذه الليلة، تُحس بهذا الشعور.
حينها.. تمزق شغاف قلبها، انقطع حبل الحنان، فاحت موسيقى الوجع، خاطبته بقلق العينين:
كنت تهوى ظلي، كل لمساتي، أنفاسي والحنين، رسمتك ظلًا، أنت يا من كنت كياني، ضممتك بلا أسوار، واليوم تقذفنا الرياح بعيدًا، تلعثم في يدها، انكسرت زجاجة العطر، التي كانت محتفظة بها منذ يوم زفافها، وسالت معه دموعها تحت قدميه، لم تقو على التمثيل، كما يمثل هو.
صرخت وفاء بعد أن بعثرت الأصيلة بنت الأصل والفصل، بعد أن كنت لك الحب والأمانة، الآن تُكافئني بالغدر والخيانة، طلقني يا يُوسف.
يُوسف: ماذا بك هذه الليلة يا وفاء؟ أجننت.
وفاء: نعم، أصبحت مجنونة، لقد رأيتك بعينيَّ مع زميلتي في العمل، ما هي العلاقة التي تربطكما؟ طلقني يا يُوسف، طلقني.
يُوسف مطأطًئ الرأس: إنها زوجتي...
وفاء: وتقولها لي بكل برود إنها زوجتك، لم أقصر معك، أغدقت عليك الحب، المال...
يُوسف: لكنك انشغلت عني كثيرًا بعملك في الآونة الأخيرة.
وفاء: ليس عذرا كافيًا لتتزوج وتخونني...
بعد هذه المشادة بينهما، أبت أن تبقى على ذمته، فتطلقت وفاء، وكانت الصاعقة أن المنزل لم يكن مسجلًا باسمها، بل باسم سحر بعد أن كان باسمه.
استأجرت شقة للعيش مع أبنائها، وذهبت للمحكمة لإيقاف الوكالة، وكذلك البنك لتغيير الرقم السري للبطاقة، لإنقاذ ما تبقى لها من مال.
ذهبت للعمرة أسبوعا مع أخيها، لتريح قلبها من صدمة عمرها.
بعد انتهاء العدة رجعت إلى الدوام، وكان بانتظارها زميلتها، لتُخبرها بأن الدكتور كريم يريدها حال وصولها.
خافت وفاء، فهي لم تفعل شيئًا يخالف القوانين ولم تُقصر في عملها قط.
كريم: وفاء أنت نعم الإنسانة المُخلصة في عملك، سأنقُلك إلى قسم الأطفال معي لما لديك من خبرة في هذا المجال ولتميزك.
وافقت وفاء على الفور لأنها كانت تُريد أن تبتعد أن أي مكان تكون فيه مرام، وتذكرها بيُوسف.
بانتقالها إلى قسم الأطفال، توطدت العلاقة بينها وبين الدكتور كريم، وتعرفا أحدهما على الآخر، وكانا يتحدثان كثيرًا، ويجلسان بمقهى المستشفى معًا في فترة الاستراحة.
كريم: أريد أن أخبرك أنني معجب بك منذ زمن، ولم ألتق بفتاة خلوقة مثلك، ولقد علمت بطلاقك مُؤخرًا، وأريد أن أعرف منك عن سبب الطلاق، فأنا أريد الارتباط بك.
أخبرته وفاء بما حدث، وأنها ستفكر جيدًا هذه المرة قبل أن توافق.
وافقت وفاء وتزوجته، وحمدت ربها بأنه عوضها الدكتور كريم، فهي تعرف أخلاقه جيدًا، والقدر ابتسم لها من مُجددًا.
ومع الأيام تفاجأت باتصال يُوسف لها، وطلب مُقابلتها، رفضت، وأخبرته بالتواصل معها عن طريق الواتساب، فشرح لها أنه عمل حادثًا، وأصبح مُقعدًا، وتوفيت زوجته في حينها، وأنه يُريد الرجوع إليها، بعد إحساسه بأنه ظلمها، وأن حياته تدمرت من دونها، ولم يبق معه أحد يرعاه، فرفضت وأخبرته أنها تزوجت خيرًا منه، فبكى...
فلم يبق في القلب ما يُقال، تناثرت الخواطر، كريش البلابل، يبست جداول الدموع، صحراء بلا رمال، غادر الحُب من أطراف الشفاه بلا عودة، بكت زهور الزنبق، وقالت: يا حمام الرحيل أخبر ضمائرهُم، يا من باع، يا من خسر دلال الربيع، أتظن أن القلب سيُفتح من جديد، بل وجدت البديل، ستُبحر بوصلة الحُب، ستُبحر من جديد...
بينما كانت وفاء مع كريم يتناولان طعام الإفطار، رن جرس المنزل، فتوجه كريم إلى الباب.
مرام: السلام عليكم دكتور كريم، أريد مُقابلة وفاء.
كريم: عليكم السلام، أهلًا بالممرضة مرام، تفضلي بالدخول.
استغربت وفاء، وكانت مُتثاقلة في السلام على مرام.
مرام: أردت أن أحضر لك هذا الظرف، وفيه صك بيع المنزل الذي أخذه يُوسف، يريدك أن تُسامحيه، وأنا أطلب منك أن ترجع صداقتنا كالسابق، فليس لي ذنب فيما حدث.
ابتسمت وفاء، وحضنت صديقتها مرام، وشكرتها، وطلبت منها أن تشكر يُوسف على إرجاع المنزل، وأن يُوفق في حياته، ويأخذ العظة والعبرة مما حدث.