رأي في مسألة رؤية الهلال
من أهم المسائل الاجتهادية في الصيام، التي يثور الجدل حولها في كل عام، ويتمنى كثير من المسلمين أن لو اتفق العلماء فيها على رأي واحد وكلمة سواء، لما يحدث بسبب الاختلاف فيها من اضطراب فكري وثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي، ولقد تتبعت مسألة ”رؤية الهلال“ بعد مقالي في أول شهر رمضان المبارك لهذا العام في صحيفتي جهينة وصبرة[1] ، ووجدت أن القضية تتعلق بقضيتين رئيسيتين، ولكن قبل التعرض لهما، لا بد من هذا المدخل لاكتمال الصورة.
اتفق فقهاء الإمامية أن الهلال يثبت برؤية المكلف نفسه، حصول الاطمئنان، شهادة عدلين، أن يمضي ثلاثون يومًا من بداية الشهر المنصرم، واختلفوا في حكم الحاكم الشرعي[2] ، وفي اعتبار الحسابات الفلكية[3] . وهناك ظروف تؤثر في رؤية الهلال، وهي: ”عمر الهلال“، ”ارتفاع الهلال“، ”البعد الزاوي“، ”فترة المكث“، ”زمن غروب الشمس“، ”بعد القمر من الأرض“. إضافة إلى هذه المصطلحات والمفاهيم، هناك مثلها كثير، مع تعدد المباني الفقهية، كما بينت في المقال السابق «انظر هامش رقم [1] »، وكلها تزيد في الإشكال اللغوي والمفاهيم، إذ كثير منها غير واضحة أو ملتبسة أو غير متفق عليها لأنها تمثل ”مفاهيم“ مجردة، على سبيل المثال ”اتحاد الأفق“ أو ”وحدة الأفق“، ”الاشتراك الليلي“، وغيرها، وهي تشكل المبنى الفقهي عند الفقيه في التعامل مع مسألة الهلال ورؤيته. ونعود إلى النقطتين في حقيقة رؤية الهلال:
ابتعد الفقهاء عن معاني المتعددة لمفردة الرؤية المتعددة، وتمسكوا بمعنًى واحد، تاركين روح النص وتسهيلاته، وهذا ما سأوضحه بالتفصيل في مقال قادم تحت المراجعة، لكن يمكن تقديم اختصار لأهم ما رشح منه.
الرؤية: النظر بالعين وبالقلب «معجم متن اللغة»
الرؤية: إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس، الأول بالحاسة ونحوها، الثاني بالوهم والتخيل، الثالث بالفكر نحو ﴿إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾، الرابع بالعقل نحو ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ «التوقيف على مهمات التعاريف».
الرُؤْيَةُ: النَّظَرُ بالعَيْنِ وبالقَلْبِ. ورأيتُه رُؤْيَةً ورَأْيًا وراءَةً ورَأْيَةً ورِئْيانًا وارْتَأَيْتُه واسْتَرْأَيْتُه. «القاموس المحيط»
رآهُ: أبصره بعينيه، ورأى الشيء: اعتقده، رؤية: مصدر: رأى. إبصار بالعين أو بالقلب «معجم الرائد»
الرُّؤْية: المشاهدةُ بالبصر حيث كان في الدنيا والآخرة «التعريفات الفقهية»
الرُّؤْية: الإبصار، رَآهُ يَرَى يَرَاهُ رَأْيًا ورُؤْيَةً: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها﴾ أبصروها، «الأفعال المتداولة»، ومنه رؤية هلال رمضان ومنه قوله ﷺ: ”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته“ «معجم لغة الفقهاء».
النّظر طلب ظُهُور الشَّيْء والناظر الطَّالِب لظُهُور الشَّيْء بإدراكه من جِهَة حاسة بصره أَو غَيرهَا من حواسه وَالنَّظَر بِالْقَلْبِ وَمن جِهَة التفكر «والانتظار التَّوَقُّف لطلب وَقت الشَّيْء الَّذِي يصلح فِيهِ».
وَالنَّظَر أَيْضا هُوَ الفِكر والتأمل لأحوال الأَشْيَاء، أَلا ترى أَن النَّاظر على هَذَا الوَجْه لَا بُدَّ أَن يكون مفكرًا والمفكر على هَذَا الوَجْه يُسمى نَاظرًا، والنَّظر لَا يكون إِلَّا مَعَ فقد العلم وَمَعلُوم أَنه لَا يصلح النّظر فِي الشَّيْء ليعلم إِلَّا وَهُوَ مَجْهُول وَالنَّظَر يُشَاهد بِالعينِ، فلَو طلب جمَاعَة الهلَال ليعلم من رآه مِنْهُم مِمَّن لم يره مَعَ أَنهم مِمَّن لم يره مَعَ أنهم جَمِيعًا ناظرون لصَحَّ بِهَذَا أَن النّظر تقليب العين حِيَال مَكَان المرئي طلبا لرُؤْيَته، والرؤية هِيَ إِدْرَاك المرئي وَلما كَانَ الله تَعَالَى يرى الْأَشْيَاء من حَيْثُ لَا يطْلب رؤيتها صَحَّ أَنه لَا يُوصف بِالنّظرِ. «الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن العسكري».
يقول أبو هلال العسكري في «الفروق اللغوية» أيضًا: إن "الرُّؤْيَة لَا تكون إِلَّا الْمَوْجُود، وَالْعلم يتَنَاوَل الْمَوْجُود والمعدوم، وكل رُؤْيَة لم يعرض مَعهَا آفَة فالمرئي بهَا مَعْلُوم ضَرُورَة، وكل رُؤْيَة فَهِيَ لمحدود أَو قَائِم فِي مَحْدُود،
والرؤية فِي اللُّغَة على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهمَا العلم وَهُوَ قَوله تَعَالَى: ﴿ونراه قَرِيبا﴾ أَي نعلمهُ يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ أَن كل آتٍ قريب،
وَالآخر بِمَعْنى الظَّن وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُم يرونه بَعيدا﴾ أَي يَظُنُّونَهُ، وَلَا يكون ذلك بِمَعْنى الْعلم لأنه لَا يجوز أَن يَكُونُوا عَالمين بِأَنَّهَا بعيدَة وَهِي قريبَة فِي علم الله وَاسْتِعْمَال الرُّؤْيَة فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ مجَاز،
وَالثَّالِث رُؤْيَة الْعين وَهِي حَقِيقَة".
لم ترد كلمة ”رؤية“ في القرآن الكريم، لكن جاءت فيه اشتقاقات متعددة من الجذر «ر أ ى».
الرؤية من الفعل رأى يرى:
- ”رؤية العين“: بمعنى نظر بالعين، أبصر: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا﴾ «الأنعام: 76»، وقد مَرَّ أن النظر غير الرؤية: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ «آل عمران: 143»
- رؤية ”رأي العين“: رؤية البصر: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ «آل عمران: 13»
- وبمعنى الاعتقاد: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ «هود: 27» «معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، ر أ ى». ومنه يقَالُ: رَأَى فِي الْفِقْهِ رَأْيًا «مختار الصحاح، أبو بكر الرازي»، اعتقده.
- رؤية ”رؤية القلب“: بمعنى ظن أوعلم، ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ «النجم: 11»
- ”أرأيت“، يراد بها أأبصرت، أو أعرفت؟. وقد يقصد بها ”التنبيه“، كأنه ”أَخْبِرْني“. ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ «الإسراء: 62». و﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ «الأنعام: 47».
- ”ألم تر“: فهي حث على التفكر والاعتبار: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ «البقرة: 243». واحدٌ وثلاثون آية فيها ”ألم تر“، ليس فيها إمكانية الرؤية بالعين، عن أمم وأحداث سابقة، أو ”أن الله“... ”خلق“، أو ”يسبح له“، أو ”يعلم“، وهكذا. على سبيل المثال، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ «الفجر: 6». ويقول كذلك: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ «الفيل: 1». ومعلوم أن الرسول ﷺ لم ير الحادثة ”بعينه“ بل بالإخبار. فإذا كان الإخبار بمرتبة اليقين، صح لك أن تقول إنك رأيت الأمر. ومثال ذلك قول الله في سورة التكاثر: ﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ «التكاثر: 5-7»، رؤية الجحيم رؤية البصيرة، قبل القيامة، وهي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين، وترونها ثانيةً رؤية بصرية في الآخرة.
من هذا العرض السريع، يمكن أن نخلص إلى أن الأصل الواحد في الرؤية هو النظر المطلق بأي وسيلة كانت: بالعين الباصرة، أو بقلب بصير، أو بشهود روحانيّ، أو بمتخيلة مفكرة بتركيب الصور والمعاني، والعلَّامة حسن المصطفوي في كتاب «التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مادة رأى» يقول:
”الرؤية أعم من الرؤية بالعين، والتخييل، والفكر، والتعقل، والمشاهدة بالقلب، والرؤيا في النوم“ «ج 4، ص 19» [4] .
المشكلة الراهنة في مسألة الهلال، كما بدأنا في هذا المقال، أن الفقهاء تمسكوا بمعنًى واحد لمفردة الرؤية وتركوا المعاني المتعددة تاركين روح النص وتسهيلاته والإطلاق في العبارة على لسان النبي محمد ﷺ. ليس المشكلة فقط في تمسكهم بمعنًى واحد، بل إنهم وقفوا عند مفهوم يعبر عن ”الحد الأدنى في الرؤية“. ماذا كان المطلوب في زمن الرسول ﷺ غير الأخذ بالرؤية بالعين المجردة:
- فلم يكن هناك أدوات تساعد على الرؤية، فالإصرار على تحديد الرؤية بالعين المجردة دون غيرها ليس فقط غير منطقي، بل لم أرى، حسب اطلاعي البسيط، ما يلزم التمسك به دون غيره.
- وكذلك فإن القبائل كانت متوزعة ومتباعدة، وخبر الرؤية في المدينة «العاصمة» يحتاج إلى بريد يصل إلى أقرب تجمع بشري لها بعد يوم في أقل الأحوال. فلا خيار لأهل الأصقاع المترامية إلا الاعتماد على نفسها في الرؤية.
- الحساب لم يكن يعرفه إلا قلة، ومع هذا هناك أحاديث تطلب التقدير، على سبيل المثال، ”فإن غمَّ عليكم فاقدروا له“. أصحاب التمسك بالرؤية العينية فسروا ”فاقدروا له“ بثلاثين يومًا، أو ب ”تضيقه“ بتسعة وعشرين يومًا، مع العلم أن المفردة تحتمل ”حسب المنازل الذي قدره الله فيها“، حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ «يس: 13» [5] .
ولكن هناك بعدٌ آخر في مسألة رؤية الهلال. يقول السيد هاشم الصالح[6] : ”لا نريد أن نجعل المسألة فردية، فالصوم والعيد فيه جنبة اجتماعية، وكما يقول السيد الصدر إلى متى نجتهد في الأحكام الشرعية في إطار الفرد؟ وماذا عن البعد الإجتماعي؟“. وهناك كثير، ممن تواصل معي، من يشارك السيد الصالح في أمنية أن الاجتهاد في الأحكام الشرعية تكون في ”إطارها الاجتماعي“ وليس الفردي، والعيد فلسفته وجوهره جمعيّ، وخاصة الأسري[7] ، وهذا أحد البواعث لهذه النظرة، وربما هناك من يرفض هذا التوجه، لكن أذكرهم أنه قد صدرت أحكام وفتاوى شرعية ذات ”أبعاد سياسية“ هدفها حفظ الأمة والجماعة، فهل هناك أجمل من عيد يجمع الأسر ويوحد المجمتع؟
الثانية، وهي الأهم، تختص بالتقليد عند الشيعة.
رؤية الهلال، باختصار شديد، لا تقليد فيها، لأنها من ”المواضيع“ التي لا تخص المرجع ولا الفقيه، ولا دخل لهما فيها. المرجع لا يقول لك هذا السائل: ”خمر“ أو ”لبن“ أو ”لتيه“، بل يقول لك: ”الخمر حرام فلا تشربه“ «وهذا حكم شرعي»، وتحديد أي هذه السوائل هو خمر يعود إليك، وإلى العرف والمتخصصين في علومها. ولا يقول لك: هذا ”تظليل“، وهذا ”ليس تظليل“، إنما يقول لك، على سبيل المثال: ”التظليل لا يجوز في الحج“ «وهذه فتوى»، وهكذا في بقية ”المواضيع“. ولا يقول: هذا ”هلال“، وهذا ”ليس هلال“، إنما يقول، على سبيل المثال، إذا اطمأن المكلف لرؤية هلال الشهر، حسب الضوابط الشرعية، فواجبه الصوم في أول شهر رمضان، أو الفطر في أول شهر شوال، وإن اختلف مع المرجع أو المراجع مهما تعددوا. فمثلًا، لو ادعى شخص رؤية الهلال وشهد ولم تؤخذ شهادته، عليه العمل بعلمه، أي رؤيته هو، وإن خالف المرجع أو مجلس تحري الهلال.
سيختلف المراجع في رؤية الهلال، ولهم الحق في ذلك، كما بينت في المقال السابق «انظر: هامش رقم 1»، حسب مبانيهم الفقهية، لكن لا حكم لهم فيه إلا على أنفسهم، والمكلف يعمل بما يطمئن له، بالرؤية، أو بالشياع، أو باتباعه مرجعه أو غيره «وغير ذلك من طرق تحصيل الاطمئنان له» بهدوء واحترام لطرق الآخرين، فدور الحاكم الشرعي، المرجع في العرف الفقهي[8] ، تحديد الحكم وترك الموضوع للمكلف، أما في الهلال فالحكم في موضوعه يرجع للعرف العقلائي الذي يمثله من عندهم اختصاص في علم الفلك، فهم لهم الرأي في رؤية الهلال. والفقهاء، كالسيد علي السيستاني، يحترمون رأي الفلكي في حالة أنه قال: ”لا يمكن رؤية الهلال يوم كذا“ وادعى أحد رؤيته لا تؤخذ شهاته.
فكل هذا الجدل والجدال الكئيب السنوي لا داعي له بالأصل. ربما هناك من يريد ربط حياة الناس في كل صغيرة وكبيرة، وإن كانت خارج ”التقليد“ «الذي هو محل تساؤل جيل الشباب الحالي» [9] بسلطة رجال الدين، مراجع ووكلاء[10] ، وهذا متفهم في أدبيات علم اجتماع الأديان. سبب البلبلة الرئيس هو أن الناس لا تعلم الواقع، ولاحدود التقليد الضيقة، بمعنى أنه فقط في أحكام الأمور الحادثة، فلا تقليد في الأصول، أو العقائد، أو ضرورات الدين، أو المواضيع، وتشخيصها تحديدًا.
”صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته“ «الحديث» لا يجعل من الصيام ”عبادة بصرية“، بمعنى أنه لا يمكن ابتداؤه إلا برؤية الهلال رأي العين، فالقول إن الرؤية لا تكون إلا بالعين، يرد عليه بأن الرؤية تتحقق في زماننا، بالتلسكوب والمراصد فائقة الدقة للتقنية العالية التي لم تعرفها البشرية من قبل، والأهم تتحقق أيضًا ب ”التقدير“ «الحساب الدقيق»، وهو بنص قرآني، قال الله تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ «يس: 39». ويعني التقدير والمنازل الدقةَ الفائقة التي لا تتخلف. وإذا كانت المنازل مقدرة بدقة فمن الممكن أن يتتبعها الإنسان ويحسبها بقدر ما يستطيع من الدقة، فهذا دليلٌ على أن القمر يمشي في مسار ثابت، وهو ممكن حسابه بدليل قوله عز وجل: ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ «سورة الأنعام 96». وقوله كذلك: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ «يونس: 5». ثم جعل القمر دليلًا على المواقيت: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...﴾ «سورة البقرة: 189».
وهو نص نبوي أيضًا: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»، وهي سلسلةٌ قيل عنها: إنها أصحُّ الأسانيد لتوفُّر أعلى درجات القبول وأكمل صفات الرواة فيها «فتح المغيث، السخاوي، ج1، ص 11»، وتدريب الراوي، للسيوطي، ج1، ص 56 «. قيل معناه: فاقدروا له بحساب المنازل، قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية، ويروى عن مطرف بن عبد الله من سادات التابعين معروف، وابن قتيبة قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في مثل هذا، يبقى ابن سريج من الشافعية، ويكون قولًا له. ويقول الدكتور قاسم علي سعد: ”وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا لم يُر الهلال لعلة، فيقدّر بحساب المنازل، متأولين بذلك الحديث. وهو قول دفعه الأكثرون، لكن جماعة من المحققين رأوا أنه من غير الصواب الإعراض الكامل عن الحساب المذكور وأنه يعتمد عليه في بعض الأحوال لا مطلقًا“ [11] .
المحصلة في قضية بدء الصوم أو إنهاؤه والتعييد بناءً على رؤية الهلال، أو حساب الشهر، المرء المسلم عليه العمل بما يطمئن له هو أو هي دون انتظار قول المرجع أو الوكيل، وحتى لو اختلف/اختلفت معهما كما جاء في الروايات الصحيحة والمعتمدة، ويبقى الخيار للمكلف أيضًا باتباع مرجعه الذي يطمئن له في أخذ أحكامه منه، أو مرجع آخر هو يطمئن له في هذه المسألة، وبهذا تتوحد الكلمة والعيد دون بلبلة وجدل عميق لا داعي له، بل ضرره بائن على المجتمع، مع أن المخرج من الأزمة وضررها سهل لمن أراد. ومن الله تعالى أستمد العون والتسديد، فهو وليّ ذلك والقادر عليه: ﴿وما توفِيقِي إلا باللهِ عليهِ توكَّلْتُ وإليهِ أُنيبُ﴾ «هود: 88»