آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا؟ «9»

الدكتور رضي حسن المبيوق *

سنبني حديثنا في هذا المقال على ما تقدمنا به في مقال رقم 8 عن دور مركز التحكم، بشكل عام، ومركز التحكم الداخلي، بشكل خاص، في الوصول للنمو التالي للصدمة. ونضيف عاملًا آخر للنمو وهو ما يطلق عليه النجاعة أو الكفاءة الذاتية. سنقوم أولًا بإعطاء خلفية عن نظرية النجاعة الذاتية وعمن نظّر لها ومن ثم سنبحث في دور هذا العامل في عملية النمو التالي للصدمة.

ما هي نظرية النجاعة الذاتية؟

نظرية النجاعة أو الكفاءة الذاتية وضعها عالم النفس الكندي ألبيرت باندورا في عام 1977 [1] . وكانت دوافعه هي دمج التعلم / الاكتساب الذي يأتي عن طريق المشاهدة والملاحظة والإدراك للنماذج المحيطة بالشخص، لأنه كان يعتقد بشكل كبير بأن الإنسان يتعلم ويكتسب من الآخرين بشكل مباشر و/ أو غير مباشر، وإنه يختار بشكل إرادي وواعي تلك السلوكيات التي تعجبه وتروق له محاكاتها وتقليدها وربما تقمصها.

النظرية تقول بأن الشخص يقوم بعملية تقييم كفاءته أو نجاعته الذاتية في التعامل مع حيثيات التحديات التي يواجهها بناءً على ما يملكه من مهارات. مشاعر النجاعة الذاتية تؤثر على كل تصرفات الفرد. فمعرفته واعتقاده بقدرته على التأثير في ما حوله يعزز من قدراته الشخصية على مواجهة التحديات، وهذا بدوره يؤثر على خياراته وقراراته التي يتخذها إزاء الظروف التي يواجهها. بالإضافة إلى ذلك، مشاعر النجاعة الذاتية لها علاقة طردية بالإنجازات الشخصية وبالصحة النفسية. والإنسان الذي يتمتع بمستوى عال من النجاعة الذاتية لا ينظر إلى التحديات كتهديدات يجب عليه تجنبها، بل يراها فرصًا عليه أن يكتشفها ويستفيد منها. يرتبط هذا العامل «النجاعة الذاتية» بمركز التحكم حيث الأشخاص ذوي النجاعة العالية ينطلقون من مشاعر قدرة ذاتية داخلية، وبذلك يدخلون معترك الصراع مع الصعوبات والتحديات التي تواجههم بثقة المنتصر لا بنفسية المنهزم. فإذا أخفقوا في محاولاتهم الأولى في تذليل التحديات فهم يعزون لك الإخفاق إلى عدم انتهاجهم استراتيجيات مناسبة، ولذا عليهم أن يعيدوا الكرة مرة أخرى، وذلك ببذل الجهود الاستراتيجية التي تساعدهم على قهر الظروف والتغلب عليها. بكلمة أخرى، مشاعر النجاعة الذاتية لا تعرف الاستسلام أو الانكسار أمام النكبات والصدمات مهما كانت قوتها ومدى تمكنها من الشخص.

موارد أو روافد النجاعة الذاتية

ألبيرت باندورا يرى بأن هناك أربعة روافد تغذي وتنمي وتعزز مشاعر النجاعة الذاتية وهي:

1. تجارب النجاح والتفوق السابقة.

2. تجارب الآخرين الذين يستقي منها دروسًا ملهمةً تزيده ثقة بقدراته على مواجهة المشاكل أو التحديات

3. وجود نموذج وقدوة مشجعة ومساندة لديها القدرة على إقناع الشخص بأنه قادر على التغلب على تلك التحديات والنجاح أو أراد.

4. صحة الشخص البدنية والعقلية التي تتطابق مع مشاعر قدراته الذاتية.

النجاعة الذاتية كعامل محوري للنمو التالي للصدمة

النجاعة الذاتية تلعب دورًا كبيرًا، حيث تجعل الشخص يستشعر وبالتالي يصل إلى حد الاعتقاد بأن كل ما يحدث له من حالات فيها تَحَدٍّ ومصاعب قد تتحول إلى مصدر تهديد وقلق واضطراب إذا ما غمرته مشاعر الضعف المتولدة من قناعة بأنه لا يملك القدرة والمهارة على مواجهة تلك التحديات. فالشخص الذي يتحلى بمستوى عال من النجاعة الذاتية يشعر بقدرته على احتواء الضغوط النفسية وتحويلها وتوظيفها كوقود يزيد من همته وإقدامه على اجتياز تلك المحن. بينما الشخص الذي يشعر بضعف في نجاعته الذاتية يميل إلى تضخيم وتهويل التحديات وإعطائها حجمًا أكبر مما تستحق، وهذا يجعله يعيش حالة قلق من عدم القدرة على مواجهة أحداث وحالات أخرى قد لا تحصل أبداً. أي أن مشاعر الوهن في النجاعة الذاتية تنسحب على مناحي حياته فيعيش في دوامة قلق يفرز بدوره قلقا مضاعفًا وهكذا دواليك.

لا بد من أن ندرك أن الشعور بالضغط النفسي عند مواجهة التحديات أمر طبيعي، وبناءً على ذلك، فإنه كلما ارتفع مستوى النجاعة الذاتية لدى الإنسان كلما زادت فرص تعامله الذكي مع الضغوط النفسية التالية للصدمة والتغلب عليها والانتقال منها إلى نمو في القوة والثقة، من شأنه أن يولد توازن نفسي يتيح للإنسان العيش بهدوء وطمأنينة نفسية، متطلعًا إلى المستقبل بإيجابية وتفاؤل عال. التفاؤل، بحد ذاته، هو عامل آخر من عوامل النمو التالي للصدمة. نعدكم بتناوله مناقشةً في المقال القادم إن شاء الله.

مراجعة عدنان أحمد الحاجي

[1]  Bandura, A. (1977). Self-efficacy: Toward a unifying theory of behavioral change. Psychological Review, 84(2), 191–215. https://doi.org/10.1037/0033-295X.84.2.191
رئيس سابق لقسم علم النفس التربوي في جامعة شمال ولاية أيوا بأمريكا، أكاديمي وباحث ومؤلف سعودي مقيم في أمريكا.