زيارة لغوية إلى ”أضغاث أحلام“ *
”أضغاث أحلام“ عبارة تتكرر كثيرًا وأصبحت عناوين كتب، «أدهم الشرقاوي، وجهاد نجيب» وروايات «دعاء العربي»، ومجموعات قصصية «حسن حجاب»، ومجموعات حوارية «الشيخ محمد رضا المظفر»، وعشرات من المقالات على الصحف الورقية والافتراضية. فما أصلها؟ وما معناها؟
أضغاث، جمع ضِغث، وهو قبضة من قضبان مختلفة من النبات يجمعها أصل واحد، وقيل دون الحزمة، والضِّغْث ما قُبض عليه من ريحان أو حشيش.
خودٌ كأن فِراشَها وَضعت به.... أضغاثَ ريحان غداةَ شَمالِ «ابن مقبل»
وأسفلَ مني نَهدةً قد ربطتُها .... وأَلقيتُ ضِغْثًا من خَلىً متَطيّبِ «عَوْف بن الخَرِع التَّيْميّ» [1]
”ضِغْثٌ على إِبالة“، والإبَّالة: الحُزْمَة من الحَطَب، قال أسماء بن خارجة يصف ذئبًا طمع في ناقته: ”لي كل يوم من ذؤالة... ضغث يزيد على إباله“، وهو مثل يضرب للأمر يتبع الأمر، أي لي كل يوم من الذِّيب بلية على بلية «لسان العرب، وفيه الضِّغْث: قَبْضَة من حشيش مختلطة الرطب باليابس».
والضِّغْثُ: المَضْغُوثُ، وهو كل ما جُمع وقبض عليه بجُمع الكفّ ونحوه «المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة»، وجاءت في القرآن الكريم بمعنى ما ملأ الكف، قال تعالى: ﴿وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به﴾ «ص: 44». وقيل في تفسيرها، كان النبي أيوب قد حلف أن يضرب امرأته مئة ضربة، وكانت محسنة له، فجعل له سبحانه خلاصًا من يمينه بأهون شيء عليه وعليها، بأن يأخذ حُزمة من أعواد دقيقة ويضربها بها بحيث يبلغ عدد عدد المرات، فأخذ شمراخًا فيه مئة عود فضرب به امرأته، واختلف العلماء في ذلك فقيل: كان خاصًّا له، وقيل: إِنه عام لجميع الناس[2] .
وفي كلام ينسب للإمام علي بن أبي طالب ، وهو يذكر فضل مسجد الكوفة: ”وفيه ثلاث أعين أنبتت بالضغث تذهب الرجس وتطهر المؤمنين عين من لبن وعين من دهن وعين من ماء“. قال ابن قتيبة: قوله أنبتت بالضغث أحسبه الضغث الذي ضرب أيوب أهله والعين التي ظهرت لما ركض الماء برجله[3] .
الضغث في المعنوي «المجاز»: هو التباس الشيء بالشيء «المحيط في اللغة»، والفعل ضَغَثَ، وزن فَتَحَ، ضغث الحديث ضغثًا: خلطه، فيكون الضغث: الخلط، ومنه قيل أضغاث من الأخبار، أي ضروب منها، وضغث الشَّعر: خلطه بغسله باليد. وأضغاث الأحلام: ما يدخل بعضها في بعض، وليست كالصحيحة فلا يمكن تفسيرها لعدم تبينها. وجاء هذا التركيب مرتين في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾ «يوسف: 44 «، واللَّفظ أيضًا في سورة الأنبياء: 5».
”أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ“: إذًا، هي خليط من عناصر شتى تجتمع في الحلم، فلا يتأتى تأويلها، ويصفها الفيومي «ت: 770 هـ » في «المصباح المنير»: ”أَخْلَاطُ مَنَامَاتٍ وَاحِدُهَا ضِغْثُ حُلْمٍ... يُشْبِهُ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ وَلَيْسَ بِهَا“. وذكر أهل تعبير الرؤيا أنها كالأحزان والتمني وحديث النفس، وغلبة المِرَّة على الرائي، ونحو ذلك. «شمس العلوم، لنشوان الحميري، ت: 573 هـ ».
وجاءت أضغاثُ أحلام، كدلالة استعارية، في وصف المشركين للقرآنِ الكريم: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ «سورة الأنبياء: 5». هذه الآية تبين اضطراب المشركين في وصف القرآن؛ فقالوا أضغاث أحلام، أي: أقوال مختلطة متناقضة، لكنهم حين تأملوه، وهم أهل لغة وبلاغة، وجدوا ببيانه أرقى من ذلك، فاستدركوا، وقالوا: بل افتراه «ابتدعه»، يعنون محمد ﷺ، ثم استدركوا وقالوا هو شاعر [4] ، ولأنه بينهم ويعرفون أن ليس بشاعر، طلبوا أن يأتيَ لهم بآية كونية مادية، كالرسل السابقين، آية غير بيانيَّة «أي لغويَّ»، وهذا إقرار منهم ينفي أقوالهم السابقة أن القرآن صادر من شاعر[5] .
”أضغاث أحلام“ هي مجموعة من التفاصيل المتداخلة التي يراها الإنسان في النوم ولا يجد لها تفسيراً منطقياً وغالباً ما تكون من الأحداث اليومية المتداخلة، أي إنها عدة أحلام متشابكة فلا يمكن تفسيرها نتيجة لكثرة الأحداث أو الرموز الموجودة فيها أو لصعوبة الربط بينها.
وحديثًا صار ينظر لأضغاث الأحلام أيضًا على أنها ”أحاديث النفس“، وهذا أشار إليه نشوان الحميري، المتوفي سنة 573 هـ ، وقد سبق ذكره أعلاه»، أي أنها تخيلات يصورها العقل الباطن للإنسان تتجلى في ”حديث داخلي“ «بين نفسه، كما يقال»، وتكون مرتبطة بالأحداث اليومية التي يمر بها في حياته، كما إنها تعبر عن الأمنيات والرغبات التي يود أن تتحقق، ومؤخرًا أصبحت وصفًا لكل مشروع أو مخطط لا يتفق معه البعض، أو يشكون فيه، على سبيل المثال، ”مشروع صفقة القرن“ لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.