آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

الحادية عشرة

كميل السلطان

الساعة تشير إلى ماقبل الحادية عشرة ليلا بدقيقة، صوت أبواق السيارات يتلاشى شيئا فشيئا، وصوت عقارب الساعة يدوي في الغرفة، ستارة الغرفة تلاعبها الريح، والأوراق والكتب والأقلام والحاسب المحمول يفترشون الأرض، الفوضى في كل زوايا الغرفة توحي بأنها ساحة انتظار قبل المعركة الأخيرة غدا في الاختبار.

عادل ذو السادسة عشر ربيعا يفترش الأرض جنبا إلى جنب مع أوراقه وأقلامه، ينظر إلى سقف الغرفة وأفكاره تطارد الستارة الراقصة تارة وتارة يتربص بإضاءة الغرفة المعلقة، ويداه تقبض على قلمه وتضرب به الأرض، الأفكار تتوالى لعادل في مواجهة جمود الغرفة الذي تحركه تلك الستارة مع رياح الشارع.

يزداد التوتر عند عادل ويتسارع مع نبضات عقارب الساعة، الوقت يمضي وهو في شرود، الستارة تتلاعب بأفكاره وهو في جمود، يقطع حالة الجمود تلك قهقهات لمارة في الطريق يجوبون الطرقات ويتحادثون، اندفع عادل من مكانه وتعلق بشباك النافذة لينظر إلى المارة ويحصي عددهم فقد كانوا ثلاثة، أطولهم كان يلقي لهم بالدعابات ليضحكوا، وأوسطهم كان متأنقا جدا، أما الثالث فقد كان يمسك بعصير طازج يرتشف منه رشفات خفيفة كل ما خفت نوبة الضحك لديهم.

وجد عادل نفسه يبحث عن نفسه بينهم، إن كان يملك حس الدعابة التي يمتلكها أطولهم، ثم غاص في أناقة أوسطهم وذهبت به الأفكار إلى بحر الأناقة وأنه متى ماوجد الفرصة السانحة سيكون أكثر أناقة منه، وجمحت به أهواؤه إلى أفخم الموائد وأشهى المأكولات، المارة كانت تبدو عليهم السعادة وهم يتسكعون بحرية حيث يشاؤون، وعادل يجد نفسه بين قضبان النافذة وفوضى الكتب والأقلام، وعادل يقول في نفسه: هؤلاء المارة يعيشون أجمل لحظات حياتهم وهو يتنقلون دون التفكير في عناء الإختبارات والمذاكرة، فجأة يقطع صوت قطط تتشاجر فيها بينهم حبل أفكاره؛ ليتلفت إلى مشهد تلك القطط المتشاجرة، فيسأل نفسه ترى لأي شيء تشاجرت تلك القطط، ولم تتشاجر وهي ليست إلا حيوانات، المارة قبل قليل يضحكون ويعيشون في سعادة والقطط تتشاجر فيما بينها، تبا لتلك القطط التعيسة ألا تستطيع أن تتعلم من الإنسان كيف تعيش بسعادة، حينها اقتحم المشهد صوت سيارة تتوقف بقوة مع صوت منبه السيارة الذي أرعب تلك القطط المتشاجرة في قارعة الطريق لتفر بعيدا، ارتسمت البسمة على شفاة عادل من منظر القطط الفارة من السيارة ليحدق بعدها النظر كثيرا إلى السيارة، فقد أعجب بها وراح يتخيل لو أنه يمتلك واحدة مثلها فيتجول بها حيث يشاء حين يشاء.

مشاهد الشارع تجذب أنظار عادل وتسرق أفكاره وهي تتسلسل أمامه تباعا وهو غارق في التأمل في تلك المشاهد، فجأة يقطع مخيلته صوت الساعة الذي اعتلى فجأة؛ ليفجع عادل من ضياع الوقت وهو يتأمل الشارع بعيدا عن دروسه ومذاكرته؛ فيلقي بنفسه من أحضان القضبان إلى أحضان الأرض بين الكتب والدفاتر والمحمول، وهو يلهث من الفزع فالاختبار في الغد وما كان ينبغي له أن يضيع الوقت في مراقبة المارة والقطط والسيارات، أمسك عادل بالكتاب والقلم ورمق الساعة ليجدها تشير إلى الحادية عشرة تماما، انكب حينها على وجهه يلتقط أنفاسه وهو يحاول أن يستوعب أن كل ماجرى من حوله هو هنيهة من الزمن فقط.

استلقى عادل على ظهره ينظر إلى سقف الغرفة مرة أخرى ويداه تمسك بالأقلام والستارة تتلاعب أمامه، ليعود صوت قهقهات المارة من جديد فيهرع عادل إلى أحضان قضبان النافذة من جديد ليتأمل ماهم عليه.