آخر تحديث: 22 / 12 / 2024م - 9:05 ص

أسبوع تقرير المصير من مكاسب شهر رمضان

المهندس حسين العلي

تقبل الله أعمالنا وإياكم في هذا الشهر الكريم ونحن في الأسبوع الأخير من شهر رمضان أحببنا أن نطرح موضوع مهم؛ وهو: ما هي مكاسب الشهر الكريم ونحن في الأسبوع الأخير من شهر رمضان؟

الإنسان ينتابه قلق وهموم وتساؤلات كثيرة عن معرفة مصيره في هذا الشهر الكريم. فمثله مثل الطالب في نهاية العام الدراسي هل سيجتاز الامتحانات بتفوق أم لا؟

كمقدمة هل نعرف الشهر الذي نريد أن نصومه حق المعرفة، حتى نعرف مصيرنا في الشهر وما بعده؟

الشخص منا عندما يريد أن يسافر إلى بلد، يقرأ عن ذلك البلد.

هل نحن تعرفنا على الشهر؟ هل استعددنا له؟ هل نعرف معنى الشهر؟

البعض يقول إنّ رمضان من الرمض وهو الجو الحار أو الطقس الحار. ولكن الإمام الباقر يقول «فقال: لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان فإنّ رمضان اسم من أسماء الله عز وجل لا يجيء ولا يذهب، وإنّما يجيء ويذهب الزائل، ولكن قولوا شهر رمضان. فالشهر مضاف إلى الاسم والاسم اسم الله عز ذكره وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن جعله مثلًا وعيدًا».

أحبتي الشهر جاء ليسعدنا، لينبش أرواحنا، وليهذب أخلاقنا ويغير فينا التغيير الإيجابي، ويعطينا طاقة لمدة عام.

قال الله سبحان وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

أيام رمضان معدودة قال تعالى ﴿أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ

وقال النبي الأعظم والنبي ﷺ «لا يرى مسرور إلا في رمضان» فهل نحن حققنا المكاسب والعطايا التي حصلنا عليها؟

هناك مفاتيح للتعرف على هذا الشهر، نذكرها بشكل مختصر:

المفتاح الأول: مفتاح التدبر والتأمل والوعي والإحساس. وهو مخاطبة الوجدان الداخلي والتغيير الداخلي. هل نحن أحسسنا بلذة الإمساك والإفطار؟

نتذكر المحتاجين. ونتذكر نعمة الصحة.

قال الرسول ﷺ: «إنّ تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك، أين بانوك ما لك لا تتكلمين».

وعن أمير المؤمنين «من قل أكله صفى فكره».

المفتاح الثاني: هو مفتاح التخطيط والإنجاز والتفوق والاستفادة من الطاقة قال الرسول ﷺ: «للصائم فرحتان، حين يفطر، وحين يلقى ربه».

علينا أن نخطط لهذا الشهر ونستثمر كل دقيقة فيه لأنه أيام معدودات، ونومكم فيه عبادة.

المفتاح الثالث: الذي يتميز فيه هذا الشهر هو تنوع العبادات. هو الشهر الوحيد الذي تجد فيه أدعية كثيرة، ومناجاة، وصلوات، وأعمال، وأذكار.

أخي العزيز، لا تقلق من عدم إكمال ختمة، استمتع بكل شي، علينا أن نبتعد عن السرعة، بل أن نعبد الله عبادة المحبين والمشتاقين. ففي الدعاء «إِلهِي، لاتُؤدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ، وَلا تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ»

وفي الأدعية «وَقَفَ السَّائِلُونَ بِبابِكَ، وَلاذَ الفُقَراءُ بِجَنابِك»

تأمل هذه المقامة وأحسس بها. رمضان فيه عروض إلهية أكثر من دنيوية.

100% الله يعطيك بها الآلاف من الثواب والعطايا. هناك أوقات ذهبية مهمة، وقت الافطار وقت تلتقي بالله تعالى، فلا تنسَ أن تدعو لوالديك ولأبنائك ولجيرانك وأرحامك.

«يا واسع المغفرة اغفر لي» يغفر الله لك

زمن ما بعد الإفطار من الأزمنة المطلوبة. هل نفتتح بدعاء الافتتاح أم ببرامج التواصل والقنوات الهابطة.

وقت السحر من أوقات استجابة الدعاء. قال تعالى ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ

وفي مناجاة الإمام زين العابدين «لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني، أو لعلك لم تحب أن تسمع دعائي فباعدتني»

وما بين الطلوعين وقت مهم جدًا.

قال الإمام الصادق: «نومة الغداة مشؤومة تطرد الرزق، وتصفر اللون وتقبحه وتغيره وهو نوم كل مشؤوم إن الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإياكم وتلك النومة»

زمن النهار طويل ولكن فيه أدعية.

«وَأَذْهِبْ عَنِّي فِيْهِ النُّعاسَ وَالكَسَلَ وَالسَّأَمَةَ وَالفَتْرَةَ وَالقَسْوَةَ وَالغَفْلَةَ وَالغُرَّةَ»

الشهر يمتاز بخصائص كثيرة؛ منها شهر العتق والمغفرة من النار، وشهر ليس ككل الشهور بل هو سيد الشهور، وشهر تقسيم الأرزاق، وشهر لا ترد فيه دعوات الصائم، والشياطين مغلولة، والجنان مفتوحة.

مكاسب الشهر كثيرة، بشكل مختصر مكاسب إيمانية وعقدية. الدعاء للإمام الحجة «اللّهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة»

ومكاسب اجتماعية «من فطر منكم مؤمن صائم في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه»

مكاسب صحية.... الحاصل على جائزة الطب في نوبل في كتاب الإنسان.. الصيام علاج لكثير من الأمراض العضوية منها السمنة، وحتى الأمراض المستعصية يساعد على العلاج منها.

مكاسب معرفية، يساعد على الاطلاع على علوم أهل البيت، والمعارف، ومعاصرة العلوم المعرفية، والتفسير، وتعلم مهارات حياتية، تفيدنا في دنيانا وآخرتنا.

مكاسب أخلاقية، في خطبة النبي في آخر جمعة في شهر شعبان: أيّها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه….

فعلينا بتحسين أخلاقنا. مجتمعنا يعج بالمشاكل الأخلاقية، منها: قطيعة الرحم، والتكبر، ومنها الغضب، والظلم، وأكل أموال اليتامى، ومنها عدم إعطاء الحقوق.

مكاسب اقتصادية، شهر تقسم فيه الأرزاق. فعلينا بالاجتهاد والاهتمام بكل دقيقة وهذه الأيام الباقية أيام مصيرية.

وقفات سريعة هناك فرق بين ما تقرأه في السطور وبين ما يبقى في صدرك ويترجم إلى سلوك.

النظرة الخاطئة لرمضان بأنّه صيام. لا. رمضان دورة رمضانية مكثفة سنوية. تعطيك طاقة لعام كامل. فهو شهر عمل وانتاج، وشهر فتوحات إسلامية، مثل معركة بدر، وفتح مكة «شهر إنجازات».

وكما يُذكر أنّ العلامة المفسر الكبير الطباطبائي كتب أو أخرج كتابه تفسير الميزان في رمضان.

ونُقل أنّ الشهيد محمد صادق الصدر أخرج كتابه «ما وراء الفقه» في رمضان.

وهو شهر التغيير الداخلي والخارجي، فعلينا أن نترجم الصيام إلى سلوك، ولا ننسَ قصة المرأة التي سبّت جاريتها على وقت رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: اعطوها الطعام فقالت: كيف آكل يا رسول الله وأنا صائمة! قال: كيف تصومين وتسبين جاريتك!

الصيام يبتعد الواحد فيه عن المحرمات.

كيف نتعامل مع شهر رمضان؟

هناك ثلاثة طرق، وكل شخص يختار طريقة.

طريق الأقفال وطريق الإهمال، أو طريق السباق والإنجاز. عن طريق الفوز يحقق السباق. ولكن بفائدة وسلوك ينعكس عليه، وعلى أسرته، وأحبائه.

ليالي القدر قادمة، وليلة القدر الكبرى يكتب الله فيها الأرزاق، وتقدر فيها الآجال.

من منّا يعرف؟ لعل الله يبتليه بمرض يحمله طول السنوات القادمة، أو يفكه من مرض، ويريحه، أو يوظفه، أو يزوج عزباء، أو يعطي ذرية قال الإمام علي «إنّ الله علم أنّ هذا الشهر كافٍ لكم فجعله شهرًا، ولو علم أنّ هذا الشهر لا يكفيكم لزاده، ولو علم أنّ هذا الشهر فوق طاقتكم لأنقص».

فعلينا أن نقرأ، علينا ان نقرأ القرآن، والأدعية في العشر الأواخر من رمضان.

فسلام الله عليك يا شهر الله الأكبر، ويا عيد أولياءه. فنحن في أسبوع تقرير المصير، فعلينا أن نرسم خطتنا، ومصيرنا، للأعوام القادمة.

وكما يقول الشاعر:

إن كان شطرٌ قد ذهب
يا قوم، فالباقي «ذهبْ»

بل إنه أغلى ففيه
أعزُّ ما ربي وهبْ

القدرُ والعشر الأخيرة
والجوائز والرُّتبْ

وقوافل العُتَقاء في
مسك الختام المحتسَبْ

يا رب هبنا منك أفضل
ما يُنال ويُكتسبْ

العتق والرضوان
والتقوى وتفريج الكُرَبْ

ونسألكم الدعاء وفي أمان الله ورعايته.