فضل الله... عبقرية الخطاب القرآني الحركي
المرحوم السيد محمد حسين فضل الله انتقل إلى رحمه الله تعالى منذ عشرة سنوات، ولكن ما قدمه ”مستمر في التأثير والتفاعل“ ونتحدث هنا عن مشروعه ومجمل ما يحتويه من إنتاج ثقافي قرآني ساعي لصناعة حالة حضارية وانبعاث إسلامي حقيقي يريد ان يكون ”الإسلام“ هو القائد للمجتمع والمثل للفرد ضمن خط الهداية القرآنية للصراط المستقيم الملتزم بالنواهي والتعليمات الإلهية الربانية كمحدد وضابط لحركة الفرد في خط التقوى التي لا تشمل الإنسان الفرد فقط بل المجتمع ككل وانطلاقة الخطاب القرآني لكي يكون الضابط للحركة والمقوم لأي مسيرة إنسانية مجتمعية تريد الفلاح.
صحيح إنه كانت هناك محاولات إيحائية كثيرة لشخصيات أخرى من قبل وجود السيد فضل الله وأيضا كانت هناك معه في نفس زمان حضوره الشخصي على الساحة الإسلامية الواسعة ولكن المختلف هو أن ما قام به لم يكن ضمن حالة انشائية وشعارات ولكن ضمن ثقافة قرأنية ساعية للحركة على أرض الواقع لكي ”تأسلمه“ ضمن ”أدوات“ الواقع نفسه والالتزام بالموضوعية والأسباب بعيدا عن خيالات من هنا وتمنيات من هناك من دون الجلوس على أرض الحقيقة بعيدا عن الأحلام.
لأن واقع الحياة هو الحركة والتنفيذ وما يمس حياة الناس ويضرب على ”وتر“ أحساسهم ويرتبط بحياتهم اليومية وصناعة مستقبلهم هو ما سيصنع الارتباط مع الفكر الإسلامي القرآني إذا صح العبير، فما هو قابل للتطبيق بدون ”التكلس“ في القوالب الجاهزة والجمود هو ما سيعيش ويستمر، فالواقع متغير ولكن ضمن أصالة المبدأ المقدس وتغير الفهم ضمن القراءة العصرية الحديثة المضبوطة بالنص المقدس نفسه منعا لانحراف المسيرة أو اهتزازها وكذلك لربطها بالجانب الروحي، وهنا ما نجح به المرحوم السيد محمد حسين فضل الله في تقديمه في قراءته الواعية للنص القرأني وفهمه في مجال الحياة والتطبيق ومراعاة الشروط الموضوعية للواقع الفردي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني بعيدا عن الخيالات والأوهام والتنظيرات الهوائية التي يسقط معها أي فكر وأي ”فهم“ للنص المقدس بعيدا عن القدرة على الحركة التنفيذية.
كل هذا ساهم في تميز ”تفسير من وحي القران“ وهو موسوعة قرأنية ألفها المرحوم فضل الله، نقول هذا الكلام كمقدمة لما تم نشره مؤخرا حيث صدر كتاب حديث تحت عنوان "مختصر تفسير من وحي القرآن، للعلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وقد قام باختصاره، الأستاذ محمد خليل طراف.
وقال طراف في مقدمة هذا الكتاب: " إن فكرةُ هذا الكتابِ بدأت منذُ نحو 5 سنوات.
وأضاف أنه في فترةٍ كانت الطّبعةُ الثانيةُ من تفسيرِ وحيِ القرآنِ قد نفَدَت تمامًا. وكان السيد محمد حسين فضل الله قبل وفاته قد عمل على مراجعة التفسير مضيفًا حوالي ألفَي صفحة.
وأشار إلى أن الطّبعةُ الثالثةُ من الكتاب صدرت لاحقًا في عشرينَ مجلّدًا، ولمّا كان الطّلبُ لافتًا وكثيفًا على التفسيرِ الحركيّ للسيّد، وكانت الغالبيةُ من الذين يطلبونَه هي فئة الشّباب، وجدتُ لزامًا أن يكونَ هناك تفسيرٌ مختصرٌ مُوجزٌ يمكنُ أنْ يرويَ ظمأَهم ويسدَّ رمقَهم لمعرفةِ تفسيرِ آياتِ الكتابِ الحكيم. فلا حاجةَ للقارئِ العاديِّ أو الباحثِ عن بعضِ معاني المفردات، أوِ الآياتِ البينات، أنْ يقتنيَ المجلّدات الطِّوال، ويتكلّفَ عناءَ البحثِ في الصَفحاتِ وبينَ الأسطرِ ليستخرجَ مُرادَ آيةٍ هنا وأخرى هناك؛ وبخاصّةٍ حينَ يغوصُ السيّد في التفسيرِ ويستعرضُ الآيات، ويناقشُ الروايات، فيردّ بعضَها ويعتمد بعضًا آخر، أو حينَ يدخلُ في مناقشة الآراءِ التفسيريّة المعقّدة التي لا تهمّ القارئَ العاديَّ غيرَ المتخصّص. "
ونحن إذ نشكر الأستاذ محمد خليل طراف على جهوده ومعه العاملين بالمركز الإسلامي الثقافي، نتمنى أن يستفيد طلاب المعرفة القرآنية الحركية من هكذا أصدار وكتاب مهم في تعزيز ثقافتهم وتثبيت الوعي والبصيرة لديهم في خط إعادة الأمة في خط صناعة الحضارة وتفجير الإبداعات الفردية والمجتمعية بما يخلق السعادة للفرد والنهضة للمجتمع.