آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

أنا... بين «عليّ» وأبي

الدكتور أحمد فتح الله *

هذا الإنسان العظيم، «عليّ» بن أبي طالب ، هذا الإمام الإنسان لا يحتاج إلى ”رتوشات“ لم تثبت صحتها أضيفت أيام الغلو، بعد التأليه الذي ظن الكثير أنه انتهى بقتله المؤلهين له في زمانه.

**** **** ****

مقتله، الفضيع والبشع، شوهوا جماله السريالي، وسير للأسف خلف مَنْ وظف روايات الاغتيال لأغراضه الخاصة، وتعددت الروايات كأنها تروي حكاية شعبية حزينة تقصها العجائز لأحفادهن الصغار الذين لا يفهمون لِمَ بكائهن، لكنهم يبكون معهن.

**** **** ****

«عليّ» ليس ضحية ”عشق إمرأة“، ولا جريمة متمرد في جيشه ركض فرحًا بأمره يخبر بالانتصار العلوي في حرب النهروان وسُحِر، أو اختطفته مخابرات دولة معادية وأجرت له غسيل مخ، بعد أن غطت ”عورة عمرو“ [1]  وأخفتة ليلة الوعد لكن انكشفت إِلْيَةُ غيره فيها...

كانت ليلة رمضانية اشتركت فيها ثلاث مدن

واتحدت الآفاق بموت وليّ.

**** **** ****

أغلب ”مفردات الحكاية“ ميتة، قتلها الابتذال، والاستعمال غير الواعي لمعانيها...

كأن «عليّ» سيتقبلها بقبولٍ حسن...

بحجة أنه ”الوسيلة المبتغاة“ إلى مَنْ هو شاهدٌ وشهيد، مرورًا بالرقيب العتيد.

«عليّ» رجل، بيولوجيًّا وفيسيولوجيًّا، كباقي الرجال، وهنا ينتهي الشبه والتشابه،

قد يسأل أحد، وهو محق، ”ومحمد؟“،

وهو لا يدري أن «عليّ» هذا أجاب عن مثل هذا السؤال قبل أكثر من ألف سنة مما نعد:

”أنا عبد من عبيد محمد“،

وبهذا ”فصل الخطاب“ ولا خطاب.

**** **** ****

إني أحب «عليّ» له هو ذاتًا، وله أبقى محبًا متصوفًا ”بلا تصوف“ [2] ...

والتفاصيل التي تنثر عليه من هنا وهناك، أمس واليوم، وغدًا، ليس له بل لقائليها ولنا...

فهي لا تقدمه ولا تؤخره، ولا تزيده مثقال ذرة، ولا ينقصه غيابها مثقال ذرة.

هو الثابت والبقية هم المتحركون المتقلبون

من اللَّاعبين الأساس إلى الاحتياط

إلى الجمهور الذي لا يدري أهو يتفرج على لعبة شطرنج أم كرة قدم أم ”هوشة“ في السوق الشعبية.

**** **** ****

أنا لا أبكيه، وهو يستحق البكاء عليه دمًا، لأنه قُتِل

قبل ضربة السيف في الرأس غدرًا، قُتِل قهرًا، وحورب بغيًّا

ليس في صراع بين الرجال

بل في صراع بين المباديء والمثل العليا

في مؤامرة كبرى على سيد «عليّ» وحبيب «عليّ»، محمد ودين محمد...

على ”مكارم الأخلاق“ التي بُعث لِيُكَمِّلَها في ”أُمَّته“ الكبرى «العالمين» [3] 

بعد أن يرسخها في ”أُمَّته“ الصغرى «قومه في اللسان والجغرافيا».

أنا أبكي نفسي... وأبكي عليها...

في ذكرى اغتياله في وقت ”صلاة الفجر“ في شهر العبادة الكبرى [4] ...

أفتقد أبي بسبب «عليّ»

وكم أفتقد «عليّ» بسبب أبي

لم أفهم أبي حين كان حيًّا

لم أعرف حاجتي لأبي دومًا إلا حين رحل...

وهنا يحضر لي «عليّ»...

دومًا....

”عكس أبي“


[1]  يقول الشاعر العباسي أبو فراس الحمداني في هذا:

ولا خيرَ في دفعِ الرَّدى بمذلةٍ....كما ردَّها، يومًا بسوءتهِ ”عمرو“

[2]  انظر: ”حلية الأولياء وطبقات الأصفياء“ للحافظ أبي نعيم الأصبهاني «336 هـ -430 ه»، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1988.

[3]  يؤكد القرآن الكريم على هذا في أكثر من موضع، على سبيل المثال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ «الأنبياء: 107»، و﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا «الفرقان: 1»

[4]  جاء في الرواية عن النبي محمد ﷺ أنه قال: ”كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به“ «بحار الأنوار، ج 93، ص 249.» انظر: القواعد والفوائد، الشهيد الأول، ج2، ص 37 - 39.
تاروت - القطيف