آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 5:57 م

شهر الله وضبط الأهواء

جهاد هاشم الهاشم

هل يُمكننا التحكم بشهواتنا وأهوائنا والسيطرة عليها؟! نعم نقدر على ذلك «ما أمكن وقدر المستطاع» وذلك من خلال التعامل على أنها واقع ذو خيارين: إما مقاومتها والانتصار عليها، أو إطلاق العنان لها والسماح لها بسحبنا إلى طريق الضلال والهلاك. بمعنى أن النفس في بداية طريقها هي أشبه بالعجينة يشكلها صاحبها بناء على ما يمليه عليه سلوكه وفكره الذي هو مجند، وتابع لوازعه الديني والأخلاقي، والذي تَشكل مُسبقا من خلال عدة عوامل منها التربية، ومحيطُه الاجتماعي بأصنافه المختلفة كالتعليم، وتكوين الأصدقاء. ومايصحب ذلك من تأثيرات نفسية وغيرها؛ ينتج عنها تبلور الاتزان من عدمه.

وبالتالي يأتي الصوم هنا ضمن المعايير والأسس التي أوجبها الله - سبحانه وتعالى - فلم تكن الغاية الوحيدة من الصوم هي الامتناع عن الطعام! وإنما الامتناع عن كل ما يحرمه الله من المعاصي والذنوب والشهوات. بحيث تصوم العيون عن مشاهدة كل ما حرم الله وغيرها، وتصوم الآذان عن سماع الأقوال البذيئة، وكذلك الغناء وماشابه.

فقد اعتبر الرسول - ﷺ - الصومَ علاجًا وحلًا أمثل لمن يعجز عن الزواج، كما يُعد غضّ البصر من أهم الأمور التي تلعب دورا في ضبط الميول ومقاومتها، فقد قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: 24].

فالنظرة التي يستهين بها الإنسان قد تقوده إلى ارتكاب الكبائر من المعاصي، وتَكون بابًا لدخول الشيطان لنفسه، فغض البصر يبعث في القلب طمأنينة وسعادة وفرحاً بالانتصار على شيطان ذاته، ويجعل الإنسان «مُحصنا» عن كل ما هو مُحرم. ويقضي غرائزه بما شرع الخالق - جل في علاه - وكذلك ذِكر الله باستمرار وفي كل الأوقات، فيُعد الذكر حاجزًا يمنع الإنسان من ارتكاب المعاصي، ويعزز مخافة الله بداخله، ويمنعه من ارتكاب ما يغضبه. وأيضا انشغال الإنسان بأمور مجتمعه وناسه؛ وبذلك يرى الحياة بطريقة مختلفة، وليس فقط من وجهة نظر ميوله وغرائزه المسيطرة عليه، والتي تُصور له أن أمور الدنيا تتلخص فيها فحسب! إذًا على الإنسان أن يشعر بالمسؤولية تجاه مشاكلَ وهموم أمته، ويساهم في إيجاد الحلول ويدرك الغاية من خَلقه ألا وهي الإعمار في الأرض، ومحاربة الفساد والمعاصي والشر، وأن يكون شخصًا فاعلًا بين ناسه ومجتمعه، ويفكر في عظيم هذه الرسالة.

ولا يمكن إغفال تعزيز مفهوم الرقابة الذاتية وتهذيب النفس، فيجب علينا التفكير قبل الإقدام على ارتكاب المعاصي بشتى أنواعها - والعياذ بالله - والتفكير بعواقبها علينا في الدنيا، وما تجلبه من مصائبَ وهموم وشقاء في الآخرة، من خزي وعذاب، وحرمان من رضوان الخالق ونعيمه. وكذلك التفكير بما وعد الله من يقاومها حيث سيفوز بحب الله ورسوله ويمنحه - تبارك وتعالى - التوفيق والسعادة والراحة الأبدية. كما سيكون شخصًا ذا سمعة طيبة بين الناس، ويحظى باحترامهم وحبهم.

ومن هنا جاء شهر رمضان المبارك بما فيه من صيام، وباقي العبادات من قيام وأذكار وإظهار الصدقات وتلاوة القرآن وصلة الأرحام؛ إلا تهذيبا وتطويعا لتلك النفس الجامحة لرغباتها المارقة والمُهرولة تجاه مطامعها المبتذلة، وأفكارها المنحرفة. ففي شهر الله المقدس ينبغي علينا ترويض أنفسنا من وساوس الشيطان الرجيم، وتزيينه لنا كل ماهو قبيح، وأن نتمسك بحبل الله المتين؛ للفوز برضا الخالق العلي القدير. فشهر الله هو فرصة المؤمنين للتوبة والعودة لطريق الهداية والصلاح - لاسيما - وأبواب اللطف الإلهي مفتوحة على مصراعيها لاستقبال التائبين، والظالمين لأنفسهم بما اقترفوه في حق ذواتهم من منكرات تشعل سخط الرب. فالعجَل العجل لاغتنام ماتبقى من أيام ذلك الشهر العظيم، شهر التوبة والمغفرة، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ «25» وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ «26». «الشورى»