طالبات في جامعة البترول
تناقلت اليوم وسائل التواصل الاجتماعي خبر إعلان من جامعة البترول والمعادن عن موعد التسجيل لموسمها الدراسي القادم، وهو إعلان تقليدي يصدر من الجامعة سنويا، كما يصدر عن بقية الجامعات والمعاهد العليا السعودية. إذن الخبر ليس بالأمر المستجد من حيث تحديد تاريخ بدأ التسجيل، فهو إجراء متعارف عليه كي يجهز الطلاب مستنداتهم للتقدم بالتسجيل وتهيئة انفسهم لإجراءات القبول في هذه الجامعة ذات المكانة الخاصة والمميزة بين الجامعات السعودية. ولكن الاختلاف الكبير في هذا الإعلان عن غيره من الإعلانات للأعوام السابقة هو في كون التسجيل مفتوحاً لكلا الجنسين «ذكور وإناث».
قبل ثلاث سنوات تم فتح القبول للإناث للتسجيل في الدراسات العليا، وتم قبول مئة طالبة تقدمن لهذا البرنامج ورغم إني لا املك معلومات مفصلة عن العدد الحالي للدارسات في هذا البرنامج، أو عدد المتخرجات، إلا انه لا يمكن تجاهل أهميته وانه شكل بداية أنعطافه مهمة في مسيرة الجامعة وخروجا عن احتكار الذكور للدراسة في هذه الجامعة التي كانت الوحيدة بين الجامعات السعودية التي لا تقبل الاناث ضمن طلابها. ولكن أن تفتح الجامعة أبوابها للطالبات للتسجيل في درجة البكالوريوس فهذا يمكن اعتباره تحولا نوعيا في مسار التعليم في جامعة البترول والمعادن بشكل خاص وفي مسار التعليم الجامعي للعلوم التطبيقية بشكل عام.
في سنة 2012 كتبت مقالاً في جريدة ”الشرق“ التي كانت تصدر في الدمام حينذاك مقالا بعنوان ”طالبات في جامعة البترول أشرت فيه للقيمة الكبيرة التي يمكن ان تعود على الجامعة برفعها الحظر عن قبول الفتيات كطالبات على مقاعد كلياتها الهندسية، وأن لا يبقى القبول مقتصراً فقط على الذكور وحدهم كما كان عليه منذ تأسيس الجامعة ككلية البترول والمعادن، كما دعوت في نفس المقال للسماح بانضمام المرأة ككادر تعليمي بين الطاقم التدريسي للجامعة، كما هو حال الجامعات العالمية الكبيرة.
لقد مضت عشر سنوات منذ أن كتبت ذاك المقال، وكانت التعليقات عليه كلها ترفض الفكرة، بل وتسخفها، وترى فيها قفزة على واقع المرأة في بلادنا.
حينما قرأت تلك التعليقات تذكرت كيف جوبهت فكرة تأسيس الجامعة بالرفض والمعارضة من قبل إدارة شركة ارامكو الأمريكية آنذاك في الستينات من القرن الماضي، حيث كانت ترغب في أن يكون ذاك المرفق التعليمي مجرد معهد مهني يمد الارامكو بالمهنيين الفنيين لا أن يكون جامعة تدرس فيها علوم الارض وصناعة استخراج البترول، وتخرج من بين صفوفها مهندسين وعلماء يمكن الاعتماد عليهم مستقبلا في الادارة الوطنية لاستخراج البترول وصناعته. ولكن والحمد لله جرت الأمور عكس ما كانت إدارة الارامكو الأمريكية ترغب فيه، واختارت قيادة البلاد المضي في المشروع بعزيمة كبيرة واصرار على أن تكون الجامعة إحدى مفاخر وطننا التعليمية بالتخصصات التي احتوتها.
لقد تخرج من الجامعة الآلاف من الكوادر الهندسية والادارية، ولكن لم يكن من بينهم اي امرأة، وها هي اليوم بهذا القرار تصلح خللاً استمر لفترة طويلة دون مبرر علمي، ووضعت نفسها في المسار الذي سيزيد من تألقها ويرفع من شأنها ويجعلها أسوة بالجامعات العالمية التي لا تميز في قبولها للطلاب بين الأنثى والذكر.
لقد كانت ملاحظات المنتقدين لمقالي حينذاك تنبثق من موقفهم تجاه المرأة برفضهم مبدأ أن المرأة كما أخيها الرجل قادرة على تحمل المسؤولية في خدمة الوطن، وانه ليس هناك مجالاً لا تستطيع المرأة الإبداع فيه، والواقع اليوم وانخراط المرأة للعمل في كافة الحقول والمجالات يؤكد لنا أن هذا الرؤية كانت غير محقة وعاجزة عن رؤية المستقبل. إن المرء يتمنى أن نشهد في ألأعوام القادمة منافسة علمية بين جميع طلاب الجامعة إناثا وذكورا ليخرج من بينهم من سيكون قادراَ على الإسهام الفعال في خدمة وتطور الوطن، فنهضة الوطن لا يفترض ان يتحمل مسؤوليتها الذكور وحدهم بل هي مسؤولية جميع ابناء وبنات الوطن.
بهذا القرار أجد أن جزءا من الحلم الذي حلمت به في مقالي بجريدة ”الشرق“ موشك على التحقق، وسيكتمل إنشاء الله حينما نرى المرأة السعودية تأخد مكانها ضمن الكادر التعليمي والقيادي للجامعة، وأن تتاح لها الفرصة دون عراقيل الماضي لتثبت نفسها فيه، كما أثبتته في مجالات تعليمية وإدارية أخرى.