حتى ونحن في شهر الطاعة والمغفرة..
مازالت الأحقاد والضغائن تجد طريقاً لها حتى ونحن في شهر رمضان المُبارك، شهر المحبة والمودة والتصافي والتلاقي وتطهير النفس ودوبان الجليد المتراكم في ضُعف العلاقات الأُسرية والمُجتمعية، والإنفتاح كل على الآخر ببركة هذا الشهر الفضيل.
لكن يصر بعضهم على النقيض من ذلك فيحاول أن يتصيد في الماء العكر ما أمكنه إلى ذلك سبيلاً حيث ينظر إليك بعينين مختلفتين فأمام الناس يحاول أن يظهر إحترامه وتقديره
ويبادِلك الود المزيف وخلف الكواليس إنسان أخر حيث يتظاهر وكأنه لا يعرِفُك وليست بينك وبينه أية صلة أو علاقة أو قرابة وهي حقيقة مرة ومراء ظاهرا ومرض نفسي اجارنا الله وإياكم منه، فهو يتلذذ بهذا الأسلوب لعله يشفي غليله وعجرفته وتعتبر هذه ظاهرة خطيرة لأنها تكسر العلاقات الإجتماعية وروافدها وتهدمها راساً على عقب فتنعدم الثقة وندخل في متاهات
من الشحن والتنازع والتضاذ، فالمتفرجون منا على هذه الدوامة سينقَسِموا إلى فريقين بين مؤيدٍ ومُعارض وهنا تقع الواقعة وتتضخم الأمور فتكون القطيعة والبعد بين المكون الواحد.
ونسينا أو تناسينا أن هذه المناسبات الدينية هي فرص لاتعوض كشهر رمضان الذي جاء ليُعَمق مبادئ وأهداف روحية وإنسانية وأخلاقية فاضلة ورصينة بل ومن مقوماته الرئيسية بِناء الإنسان المُسلم المتميز ليكون قدوة للأخرين من بني البشر فيعكس بهذا دروه الحقيقي في نشر سمات التصالح والتألف
والترابط الأخوي والمعنوي.
وها هو أمير المؤمنين الإمام علي قد ضرب أروع الأمثلة على تحقيق الأسس والمقومات الربانية عندما رسم خطوطاً عريضة في سياسة التربية الأخلاقية الحميدة وفن التعامل الإنساني الرفيع وقد ذلل على ذلك بأقوال وأفعال يشهد لها التاريخ البشري وكان هو السباق في تطبيق أقواله بأفعاله
فهو أعدل الناس في نصرة الحق ومحاربة الظلم وصدق السريرة ومن نفائس شذراته القيمة والعظيمة ما نطق به من أقوال وحكم بليغة توضح كيفية التعامل بين الأطراف المُتعارضة في وُجْهات النظر المختلفة وسوء الفِهم الحاصل في تعاملنا بعضنا بعضاً.
حيث قال : «أعدل السيرة أن تُعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.» وفي توجيه اخر بين المتخاصمين حيث قال سلام الله عليه: «المخاصمة تبدي سفه الرجل ولا تزيد في حقه.»
وفي حقل تربوي اخر قال أمير المؤمنين : «إياك والتجبر على عباد الله فإن كل متجبر يقومه الله.»
كلمات وحكم فيها الكثير من الدروس والعِبر والمواعظ التي لا غنى عنها في حياتنا الدينية والدنيوية ولكن هل هناك من واع ومتعظ.
ترى أين نحن اليوم من هذا المنهج الرباني وقد غلبت علينا شقوتنا وتهنا في مهب الريح يكيل بعضنا إلى بعض أسوء النظرات وأقسى العِبارات وكل منا ينتظر الشماتة بالأخر ونفعل عكس مانقول وقلوبنا مليئة حقداً وغيضاً ضد من لا نتفق معه في الرؤية والهدف، اما آن الآوان ونحن في شهر الصيام أن تصوم جوارحنا ونفوسنا عن هذه التُرهات والانات التي تغدي مشاعر الكراهية والبغضاء وكثرة الشحناء ونسمو بقلوبنا إلى مصافي الطهر والنقاء وعيش السعداء.