آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:15 ص

المدينة الفاضلة في شهر رمضان

صادق الدليم

يحكى ان هناك مدينة صغيرة في ضواحي شرق ولاية ببنسلفانيا الامريكية تسمى رسيتو يسكنها مجموعة من المهاجرين الإيطاليين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن الماضي بحثاً عن فرص معيشية أفضل لهم ولأبنائهم. كانت هذه المدينة تختزن سراً لا أحد يعلمه حتى عام 1950 حينما زارها الطبيب ستيوارت وولف والتقى بزميله الذي حكى له امراً غريباً عن هذه المدينة. يقول هذا الطبيب: اني أعمل في هذه المدينة منذ 17 عاماً ولم اشهد حتى اليوم مريضاً تحت سن 65 من سكان هذه القرية يعاني من امراض قلبية. وأضاف قائلاً ان سكان رسيتو يتمتعون بصحة جيدة ويعيشون اعماراً طويلة.

صعق بالخبر الطبيب وولف عندما سمع أن سكان هذه المدينة لا يعانون من امراض قلبية. فالطبيب وولف وغيره من الأطباء اعتادوا ان يشهدوا النوبات القلبية أو يسمعون عنها أينما ذهبوا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان السبب الأول للوفيات. لذا قرر الطبيب وولف أن يدرس هذه الحالة النادرة ليكتشف هذا السر. فقام بتشكيل فريق من الباحثين يتكون من الأطباء وبعض علماء الاجتماع والانتقال إلى تلك المدينة ليدرسوا هذه الظاهرة عن قرب.

من الحقائق المذهلة أيضاً التي اكتشفها هؤلاء الباحثين أنه لم تكن هناك حالات انتحار، إدمان، معدل الجرائم جداً قليل ولم يكن أحد على الضمان الاجتماعي.

في بداية الأمر اعتقد الخبراء والباحثين أن السر يكمن في التزامهم بنمط غذائي صحي بعيداً عن الوجبات السريعة التي كان يأكلها معظم الأمريكان. ولكن ببساطة لم يكن هذا صحيحا. بل إن كثيراً منهم يعانون من السمنة ونادراً ما يجدون أحداً منهم يمارس الرياضة.. بعد استنفاد النظريات الأخرى التي تتعلق بالجينات الوراثية والسلوك الغذائي والطبيعة المناخية توصل الدكتور وولف إلى الحقيقة التالية: أن التواصل والتراحم الاجتماعي كان السر المجهول وراء تلك الحقائق المذهلة.

يروي الطبيب وولف أنه بينما كان يتجول هو وزملائه في أنحاء مدينة رسيتو لاحظوا تركيبة مجتمعية غريبة لم يرَوها في المدن الأمريكية الأخرى. يقول: وجدنا البيت الواحد منهم فيه ثلاث أجيال يتعايشون مع بعضهم البعض يجتمعون على مائدة واحدة، النساء يعملن في طحن الحبوب خلال النهار والرجال يعملون في محاجر الألواح الحجرية وبعضهم يعمل في الزراعة. في أوقات فراغهم يجلسون على شرفات منازلهم يتبادلون أطراف الحديث، او يطهون الطعام لبعضهم البعض في حديقتهم المنزلية. الطبيب وولف وزملائه أحصوا 22 منظمة مدنية في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص تعمل على نشر روح المساواة الخاصة بالمجتمع التي تساعد الأثرياء على البذل ومساعدة أولئك الضعفاء والمتعسرين ماديا.

لقد أسسوا سكان هذه المدينة بنية اجتماعية واقية قوية قادرة على عزلهم عن ضغوط العالم الرأسمالي الحديث، والذي سمح لهم بتطوير علاقات ذات مغزى وهو السبب الرئيسي لصحتهم الجيد وطول عمرهم.

عندما نتأمل هذه القصة وأبعادها الإنسانية من جهة ونتأمل دعاء شهر رمضان الذي يقول فيه رسول الله ﷺ:

اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شيء قدير.

نجد ان هذا الدعاء القصير يحمل قيم إنسانية وأخلاقية أبعد مما تحويه هذه القصة. الإسلام المحمدي الأصيل يحمي الإنسان من الأمراض الجسدية والروحية والاجتماعية من خلال تربية روح البذل والعطاء ونبذ الأنانية والجشع والطمع. فالصيام الإسلامي الحقيقي هو الذي يساهم في نشر ثقافة المساواة بين المجتمع. الانسان المقتدر ليس المطلوب منه أن يُسرف في الأكل والشرب وإقامة الولائم طيلة هذا الشهر الفضيل، بل يحثه الإسلام على التوفير من أجل البذل لمن هم بحاجة لمساعدته. وأيضاً شهر رمضان فرصة لتجديد المحبة بين الأرحام فعندما يجتمعون تحت سقف واحد لتناول الإفطار ويتبادلون الحديث فهذا أجمل وصفة لعلاج أمراض العصر، الاكتئاب والقلق. أجل، فرض الله الصيام لكي نتذكر من هم حولنا الذين يعانون من ظروف الحياة القاسية ولندخل عليهم السعادة بمساعدتنا إياهم ونتذكر أيضا أمواتنا لنتصدق ونعمل الخيرات نيابة عنهم ليكونوا مسرورين في قبورهم. كل هذه الأعمال تهدف إلى سعادة أفراد المجتمع في دنياهم وأخراهم. لقد شهد أباءنا واجدادنا فوائد القيام بتلك الأعمال الإنسانية وتلمسوا ثمراتها. فأي مجتمع يتمسك بتلك المبادئ القيمة فسوف ينعكس على صحتهم الجسمانية والروحية ويرزقهم الله سعادة الدنيا والآخرة.. من هذا المنبر الإعلامي أحث نفسي أولاً واحثكم على المساهمة في بذل الخير لمن هم حولنا من الأقارب او الجمعيات الخيرية التي تهتم بالفقراء والمحتاجين.

ختاما، اسأل الله أن يوفقني وإياكم لعمل الخير في هذا الشهر الفضيل..