آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:08 م

همسات في أذن المصورين الجائلين في المزارع

أثير السادة *

لدى المصورين عطش دائم للبحث عن صور جميلة، هناك من يظل حولا أو شهرا لا ينثر على رؤوس الناس صورة واحدة، وهنالك من يشيد صروحا عبر الصورة في كل يوم، ولعل الفارق هو في تقييم وتعريف الواحد منهم لمعنى ”الصورة الجميلة“، غير أنه كلما اشتبكت الصورة الفوتوغرافية مع الحياة زاد حضورها وحظوظها، وهذا ما يفسر الزخم اليومي الذي يقدمه المصورون الهواة، وهم يبحثون عن تأسيس جسور بينهم وبين الصورة وبينهم وبين المتلقين في الطرف الآخر من عالم التواصل والاتصال.

في السنوات الأخيرة كانت المزارع المحلية مقصدا للمصورين الذين انفتح مزاجهم الفني على البيئة المحلية بكل تفاصيلها، وصاروا يستشعرون الجمال في الفضاء المحيط بهم، بعد أن كانوا يعتقدون بأن ”الجميل“ مرتهن بالسفر لمواقع باذخة الجمال وموصول بعنوان السياحة العريض.. فتحوا عدساتهم أوسع ما يمكن لجمع ماتفيض به هذه البيئات الخصبة من جمال وحياة.

سنوات مرت على تجربة البحث عن الماء في صور المزارع لدى المصور المحلي، سنوات جعلت من المزارع مختبرا فنيا كبيرا، يحج له المصورون، وكاميرات التلفزيون، يفتشون فيه عن لحظة جمالية هنا، ولقطة فنية هناك، تحملهم إلى أفق التميز والنجاح، على جناح الخضرة والوجوه الممتزجة برائحة الأرض.

هذه الهبة الواسعة لا تخلو من الإرباك أحيانا للفلاحين وأرباب المزارع، الذين سينتهي بهم المطاف إلى أن يكونوا أضاحي على مذبح العدسة، ساعة لا يلتفت المصور بقلبه وعينه إلى أن هذا العاشق للأرض له روح ونبض وليس مجرد غصن شجرة.. هم في الغالب طيبون، وأبوابهم مفتوحة، لكن أيضا لهم قلب يخفق، وليسوا مجرد متاع يجمع لأغراض التصوير.. ينبغي على المصورين أن يوقظوا كل أحاسيسهم الانسانية قبل الشروع في التصوير، وأن لا يكونوا عنوان تعب لمن هم في الغالب سيرة طويلة من التعب.

على المصور أن لا يثقل على المزارع المتعب بطلبات التمثيل، فهو كالماء يجري على طبيعتة كلما تدفق في البستان، لا تخنق فيه بساطته وعفويته بتكلف الفعل هنا والابتسامة هناك، خذ من جمال روحه ما استطعت ولا تتغزل التعابير المصطنعة.. اجعله يشعر بخفة اللقاء وخفة العدسة، فهو مشغول في قداسه اليومي، يؤلف فصولا جديدة من حكاية طويلة لا تعرفها أنت.

ولا تؤلف من صور الفلاح حكاية لا صلة لها به، ولا تجعلها مادة للدعاية والإعلان مالم تنال الإذن منه، فهو يملك من صورته أكثر مما تملكه أنت، لا تجعل الطمع يدفعك إلى اللهث بها وراء الجوائز دون علمه، أترك أثرا طيبا في روحه، حتى يكون قلبك في الصورة وخارجها معا، قدمه كما يليق بمحارب عظيم في جبهة غادرها الناس، وظل هو الحارس الأخير لها.. عندها ستكون مصورا محترفا في انسانيته، وأخلاقيا في تعاطيه مع هذه الهواية.