رماد الأيام
الأيام قمصان لا تستطيع نزعها، وحين يُتنزَع جزء منها، الإبرة والخيط لن يفيدانك، سترتديها بكل ما فيها، قد يعتيريها التغير لكن لن تستطيع أن تغسل الحزن المنسكب عليها، لا مستحضرات تنظيف ستزيل بقع الحزن، إنها عنيدة، شديدة التعلق في ألياف هذه الأيام..
أين هم من ملاؤا أيامنا فرحا وسعادة في مراحل أعمارنا المتسارعة هذه؟!
بعضهم وربما كلهم لم يعودوا هنا وإن كانوا هنا فقد استبَد بهم الزمن وطغيان السنين كما فعلت بنا وتاهوا كما تهنا نحن وكأن تلك الذكرى كانت مجرد أحلام عبر بها الزمن وأتعبها وحاول جاهدا تهشيمها. نحاول دوما التقاط أنفاسنا من طاحونة هذا العصرالرهيبة لنركن في أحدي زوايا دهرنا المرهق هذا ونسترق لحظات حب وصفاء كما كانت تحدث معنا لوحدها منذ زمن.. لكننا للأسف لا ننجح دائما في محاولاتنا تلك... ونعود أدراجنا متعبين لا نكاد نحصل حتى على التقاط أنفاسنا. فهل تعمل السنوات ضدنا على أشياء لم نرتكبها أو نفعلها.
كم حاولت جاهدة التصالح مع هذا الزمن العجيب ليمنحنا فرصة التمتع يوما كما كنا نفعل ونحن أطفالا.. ولا يعود لحرماننا مع من نحبهم بسبب وبلا سبب.. ولكن هذه هي الحياة مركبة تحمل ركابها بالرغم من التمتع بالركوب فيها مع الآخرين.. ولكن لا ننسى إن فيها محطات عديدة تجعلنا نقف ونتعطل لفترات حتى نستمر للوصول إلى نهاية المطاف.. وتعاود هذه المركبة من جديد لتحميل أناس آخرين لوجهات أخرى وهكذا.... دوارة هي الأيام.
هذه الفترات بالتأكيد هي منعطفات في حياتنا اليومية حيث نكون فيها أكثر شوقا من باقي أيامنا الاعتيادية لعائلتنا الجميلة وللأحبة والأصحاب الذين حال بيننا وبينهم مرض كورونا وآهات السنين وسحاب الحنين، ثم تمر بنا الأيام وتمضي الساعات ويزداد شوقنا ويزداد حنيننا، ويكبر مخزوننا من الكبت والأشتياق حتى نصل إلى اعوجاج لا استقامة فيه. وفي عمق هذا الألم نحاول جاهدين أن نخرج من هذا الضيق والعذاب فنستذكر ذكرياتنا ونحاول أن نعيشها والحمد لله أن لدينا ذكريات جميلة تعيننا على قسوة الأيام، والحمد لله الذي يمدنا بقوة ومدد منه سبحانه لينتشلنا من تحت أنقاض الحنين ومن رماد الأيام هذه القوة هي ثمرة من ثمرات التوكل على الله فالحمد لله الذي يدركنا في عمق المخاطر، وينقذ أنفسنا قبل أن تخبو وتنكسر، ويستنهض همتنا من بعد أن ظننا أننا لن ننهض.
يقول الإمام الشافعي:
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ
فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
ختامًا
يركلني الفقد فأبعثر الحروف، تقتلني القسوة لتصبح الروح أكثر رقة، ليست كلّ صفعة من القدر تقوي القلب ان لم تقتله، هناك صفعات تجعلنا نخلو من كل شيء كأننا رماد أوحطام يغفو على الأرض دون أن يقاوم مشي الأقدام من فوقه، ورغم كلّ شيء لا زال حيا، ولكن بعالم يخلو من الحياة!!
لذا أحبتي أقول لكم:
إن الحياة لا تخلو أبداً من الشدائد والأحزان والإبتلاءات. فإذا أردتم أن تستمروا في رحلتكم مع الأيام فلا بد أن تركبوا مركب الأمل والرضا، لأن الزمن والأيام كفيلة بأن تُداوي كلً الجراح مهما كانت عميقة.