حصاده غير
تمر الأيام وتمضي بسرعة وها نحن من جديد على موعد مع شهر هو من أعظم الشهورومن أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمني، هو محطة لتجديد العهد مع الله وتدريبالنفس على الطاعات وامتناعها عن الشهوا، هو شهر تتنزل فيه الرحما، وتغفر فيهالذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجا، ويعتق الله فيه عباده من النيران، إقال تعالى ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾ . البقرة 185.
ومن أعظم حقوق رمضان: التوبة قبله، فالعاقل يعتني بسلامته من الآفات قبل اشتغالهبتحصيل المزيد من الحسنات، لئلا يكون ممن يهدم ما بنى، فيغرق في الحسرات.
وكان السلف الصالح - رحمهم الله - يَجِدَّون في شعبان، ويتهيؤون فيه لرمضان.
شهر اختصه اللهُ بتنزُّل الرَّحَمات والبركات، من ربِّ الأرض والسموات، وإذا رغب الزارعحصادًا طيِّبًا في رمضان، فلا بد أن يُطهِّر أرضه من الآفات، فيستحيل أن تُثمِر أرض مليئةبالأفاعي والحيَّات، وكذلك أنت لا تستطيع أن تدخُل على رمضان إلا بتوبة نصوح تَغسِلبها ما في قلبك، ولا تَظنّ أن التوبة لها عمر؛ فهي دائمة عبر الزمان والمكان، تتجدَّد كليوم؛ وذلك لأن الإنسان لا يخلو من معصية، فبادر بتوبة يرضى الله بها عنك.
نحن بحاجة ماسة في هذا الوقت، إلى تهيئة أنفسنا وأنفس الناس، للعبادة الصادقة للهفي هذا الشهر الكريم، وإن دور كل واحد منا تجاه العمل لهذا الشهر الكريم منوط بالعملوالطاعات على حسب الأفراد وعندما نتأمل في أحوال الناس باختلاف توجهاتهم
نجد بأنهم قد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيق برامجهم وأهدافهم في هذا الشهر.
وعليك أن تبدأ الآن في تجهيز موائد القرآن، فلا تهتموا ببطون الناس وتنسوا قلوبَهم، فحياة القلب أهم وأعظم من حياة البدن، ونريد ختمات للقرآن بتدبر، ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِيَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 109]، نريد صحوة قرآنيَّة تُوقِظ الإيمان في القلوب، وتُحدِث تَلاحمًا بين صفوف الأمة الإسلاميَّة، كما أن الإنسان بدون منهج وخُطَّة حياتيَّةتُصبِح أعماله كلها عشوائيَّة، وعيب علينا أن يكون لأهل الباطل خُطَّة عامة وخاصة، حتىإبليس له خطة ذات مدى طويل! وقد بيَّن لنا ذلك القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَاأَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: 39,40]، وأما خُطَّته على المدى البعيد، فتتمّ بالمتابعة المستمرة مع الإنسان، واتفاقه هووجنوده على إيقاع الناس في المعاصي، فيُخرجه من معصية إلى أخرى، ولا ييئَس منذلك؛ لأنه يريد تحقيقَ خطته الإغوائية.
والمسلم لا بد له من خُطة قبل وأثناء وبعد رمضان؛ بل في حياته كلها، فعليك أخي المسلممن الآن تحديد عدد الأجزاء التي ستقرؤها، وكذلك المسجد الذي يختم القرآن في رمضانلعرْضه على قلبك، كما كان يُعرَض على قلب نبينا ﷺ ومكان الاعتكاف، وتجهيز البيتللعبادة، بحدوث حالة استنفارٍ حقيقيَّة في البيت، والاهتمام بدعوة الآخرين والأمربالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تترك بابَ طاعةٍ إلا وتدلو بدلوك فيه، لعل الله يرضى عنكويتقبَّل منك!
لكَي نبقِيَ صلتَنا بخالقنا ممتدةً، غيرَ محصورة بزمان ولا مكان، فلا بد من وسائلَ وطُرقٍلحصوله، فالتغيير لا يحصل بالتمني - فحصاد شهر رمضان مختلف عن باقي الشهور - فلا بد من أن يتحرَّك دافعُ التغيير الكامن في النفس من خلال الإرادة والعزيمة والعملالجادِّ على التغيير، ليس للتغيير فحسب، بل لتكون نتيجتُه هي الباقية حتى بعدرمضان، وهذا هو التغيير الحقيقي.
فلنغتنم شهرَ التغيير من أول أيامه، ولْنستغلَّ ساعاتِه ولحظاته؛ لننعمَ برضا خالقنا، ولنفوز بخيرَي الدنيا والآخرة.
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهُو لي وأنا أجزيبه.
جعلنا الله وإياكم ممن يصوم هذا الشهر الكريم محبة وتقربا له تعالى وتجديدا للنية والعهد معه سبحانه وتعالى رجاءا فيه أن يطهر قلوبنا وجوارحنا لتكتمل لنا أركان الصيامونفوز برضاه عز وجل.