آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

دوحة صفوى.. وتأثيث الساحل بالمعنى

أثير السادة *

يوميا أمضي الدقائق الأولى من ساعات الصباح في تأمل الصمت المهيب لشاطئ صفوى المحاذي للطريق المؤدي لرأس تنورة، أخفض نافذة السيارة وأرفعها أحيانا لتنشق رائحة البحر ولو من بعيد، عشرون عاما مرت وهو يرافقني ذهابا وجيئة من مقر العمل، لم يتغير شيئ في هذه السنوات سوى انحسار ظل القوارب التي كانت تستريح هناك، وغبار الراكضين في الملاعب الترابية المجاورة للمكان.

لا شيء في هذا الشاطئ يشبه مثلا صخب الأمواج التي يعرفها الطرف الآخر من البحر، وبالتحديد شاطئ راس تنورة، ضحل كما يبدو من لونه الفاتح، بينما تبرز أشجار القرم الكثيفة في الطرف البعيد منه.. يخرج من صمته نادرا وبالتحديد حين تكتمل دورة القمر، في منتصف الشهر وفي آخره، مايجعل الطرف القريب من مدينة صفوى على موعد دائم على الاغتسال بماء البحر، حيث يتقدم الماء خطوات لا تبعد كثيرا عن حدود الشارع المزبور أعلاه.

شاطئ بهذه المواصفات يبدو مثاليا لأن يكون بابا للاستجمام والاستحمام، ولاستعادة الابتهاج برمل الشاطئ الذي بات اليوم عنوانا غائبا عن الشريط الساحلي الممتد على طول المحافظة، ماذا لو أطلقنا عنان الأفكار وجلبنا الأمنيات المؤجلة لهذه المدينة التي لا يملك فيها الناس بابا مفتوحا على البحر، أظن أن طلبا كهذا كان بعيد المنال في المرحلة السابقة، لكن ومع الافتتاح القريب لمتنزه المانغروف البيئي في دوحة صفوى يصبح مد الجسر تلو الجسر بين مرايا القلب ومرايا البحر ممكنا جدا، فالأجساد التي نادمت البحر قديما تبحث عن ما يعيد لها الصلة بصورة الأسياف، ويحفظ للأجيال الحالية والقادمة حظها من التفاعل مع المكان في حده البحري.

هي أمنية معلقة على باب الوقت، أن يعاد النظر في شكل العلاقة بين الناس والشاطئ، والتي انتهت في معظمها إلى مجرد تنزه على العشب والصخر دون الخوض في الماء، لأنه لم يعاد هنالك شواطئ قريبة للسباحة، والتبرك بملوحة الماء، فالماء هو جزء من هوية هذا الكائن الذي يجاور البحر ولا يتبلل بمائه، يذهب إليه بسمعه ونظره فقط، بعد أن كان يبالغ في منادمته، ويتلذذ بالغوص فيه والضرب على صفحاته، فليكن هذا الشاطئ بندرا لأجساد المولعين بالسباحة، يغسلون فيه أوجاعهم ومتاعبهم، وينثرون عليه صورة من صور الفرح.