آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 8:46 ص

وجوه لا تنسى.. السيد حسن ابو الرحي ”الأديب الأنيق وداعا“

حسن محمد آل ناصر *

وأنا طفل صغير كان أبي حفظه الله يأخذني معه بعض الليالي لإحياء الوفيات والموالد لأهل البيت ، كان يصحبني لعدة أماكن ”مساجد أو حسينيات أو مجالس“ تارة هو عريف الحفل وتارة أخرى يلقي قصيدة بالمناسبة نفسها وتسمى هذه القصائد «المناسبات» بعد انقضاء الحفل تدور نقاشات في شتى الأمور، عن الأديان عن الائمة الاطهار عن اخبار البلد وايضا عن جديد الكتابة النثرية والقصائد.

هنا تعرفت بشخصية السيد حسن بن السيد علوي بن السيد حسن بن السيد علوي أبو الرحي رحمه الله، ليس أنا فقط لكن عرفه معظم جيلي لم يكن يومئذ شعراء ومثقفين مثل الآن «الغث والسمين» كان ذاك الجيل عملاق في كل معطياته، شاعر ذاع صيته بين اقرانه، كثير النظم للشعر واسع الأفق في كتاباته، وللأسف لم يعطى اهتماما من كّتاب السير والتراجم.

اشعر الآن بحنين للكتابة وما عساى أن أكتب في أديب أريب مثله، حينما سبرت في اعماق فكره وجدتني اغرق في تفاصيل وزوايا محيط كبير اكتشف منه كل لحظة آليه لغة ودين وفلسفة وقصة ورواية وحروف غائصة في اجتماعيات الآخرين، أراه الإنسان المتفرد المتميز بالإنسانية، هو الأستاذ هو التلميذ هو الصبي المشاغب هو القاص والروائي والكاتب هو المزارع والتاجر هو الصحفي للوطن هو الشخصية الطيبة بقصصه هو الروح العاشقة للمجهول هو الناقد المجنون الذي يعيش الحقيقة والخيال وبينهما الحلم.

اطلعني والدي حفظه الله على ترجمة له بخطه الذي اعطاها إياه بنفسه ليدونها في كتابه «اعلام القديح» وقد وجدت فيها أنه متولد في القديح عام 1367 هـ ، نشأ نشأة صالحة بين افراد عائلته ”آل أبي الرحي“ الرجال السادة الأخيار الذين يعرفون سابقا ”الأشراف“ نسبة إلى أشراف مكة، والذين هم فرع من تلك القبيلة الزاكية النسب.

تلقى دراسته الأولى على يد احد العارفين، وختم القرآن وهو حينذاك ابن ثمانية سنوات في ظرف شهور خمسة، ومن ثم دخل المدرسة الابتدائية بالقديح عام 1378 هـ  حين بدأ افتتاحها، وتخرج منها عام «83 13 هـ  - 1384 هـ » حيث دخل المدرسة التجارية حتى اكملها بالثانوية التجارية، وفي اثناء عمله تسنى له الدراسة وحصل على درجة البكالوريوس في علوم الإدارة الصناعية عام 1400 هـ ، حتى عمل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بوظيفة إدارية بالجامعة من عام 1389 هـ  إلى أن تقاعد.

ومما شاهدت أيضا بخط يده رحمه الله بحوزة الوالد حفظه الله نظم الشعر في سن مبكره حتى أنه نظم أول قصيدة افتخارا ببلدته القديح وهو ابن عشر سنوات، وهو احد الشعراء والكتاب الناقدين، يتميز بأسلوب فريد في قصائده الشعرية، ومقالاته النثرية، يميزه عن الأدباء الآخرين، فهو ذلك الأديب القصصي الخيالي الجاد الساخر الذي يحلق بخياله إلى آفاق نائية بعيده لا تحد.

اريد العذر من القارئ الكريم لأني الآن رحت ابحث في دهاليز غرفتي القديمة التي تكمن في بيتنا «العائلة» فوق السطح، غرفة صغيرة جدا هجرتها قرابه الخمسة عشر سنه، وهي بمثابة العش الروحي الذي استمد منه شغف الكتابة والقراءة وبين أرفف الكتب التي انام على رائحتها كانت هناك مجلة المنهل التي كان يكتب فيها السيد حسن قصصه واشعاره وكتاباته النقدية.

لقد كتب مجموعة دواوين شعر ولا يسعني الكتابة أو الدراسة عن شعره فهو يحتاج مني وقت وعناية ولن أوفيه حقه واتمنى من ذوي الاختصاص ان يتجه لخط ابداعاته الكتابية فهو حقيقة يستحق منا ذلك، لديه كتابة في الرواية والقصص القصيرة والكتب القيمة التي تبحر بنا لنيل النقد البناء في الطرح الأدبي والثقافي ومن ذلك المنتج كتابه «عواصف ورماد» وهو أول كتاب في النقد نتج يراعه، وهو كتاب جاد ورصين يعالج قضايا الشعر الراهن في العصر الحديث نقدا ودراسة وتحليلا وهو أشبه بثورة مقارنه بين الأوضاع الأدبية القديمة وخاصة في بلاده القطيف، وكتاب دراسات في النقد الادبي شوقي أمام واقع الشعر، ورواية أغرب من الخيال وعرس الخميس الأسود، وله قصيدة طويلة في الأمام علي مع الشرح، وايضا في رحاب اهل البيت كتاب أدب وتاريخ.

توفي في فبراير من هذه السنة 2021م بعد معناه مع المرض حيث كان مصاب بالفشل الكلوي وقد كان متأثرا بمضاعفات بالرئة فرحمه الله رحمة الأبرار واسكنه الله فسيح جنته مع جده النبي وآله الأبرار، ولست اكتب هنا هذه المقالة لكون الفقيد بعد موته يحتاج الثناء والمدح لا، أنه الوفاء والاعتراف بالجميل لجيلنا والجيل القادم الذي يحب أن يكتب عنه وعن أعماله ومواقفه النبيلة بالحياة منذ بدأ المسيرة إلى حين وفاته رحمه الله.