منتدى الثلاثاء.. بوصلة المملكة نحو التجديد
في اللحظة التي صعد فيها إلى طاولة الحوار؟ استوقفني ولم تكن لي معرفة سابقة به، جلس يتحدث ويناقش في ندوة مفتوحة أثناء انعقاد مؤتمر الفكر العربي في مدينة الظهران عام 2019. شعرت بعدها أننا أصدقاء، وبالفعل كانت مبادرة من صديق مشترك نصفه سعودي ونصفه الآخر بحريني هو الزميل عبد الوهاب العريض.. بأن بنى بيننا جسراً من التعارف سرعان ما تحول إلى دعوة لزيارة القطيف والمشاركة بمنتدى الثلاثاء الثقافي مع مجموعة من المفكرين والأكاديميين العرب الذي كانوا متواجدين في ذاك المؤتمر..
كانت جلسة مفتوحة، فيها ذاك المزيج الذي كنت أبحث عنه، مثقفين، أدباء، سيدات، رجال دين، شباب... وجدت ضالتي بتلك الوجوه والحوار الثري والهادئ تجمعهم قواسم مشتركة بإيصال أصواتهم عبر القنوات المشروعة، ولديهم مشروع فكري يطال تأهيل فكرة المواطنة بالدرجة الأولى، فإبن القطيف، تلك البقعة التاريخية والتي خرج منها ذاك المعدن الثقيل «النفط» وعوائده المالية التي أحدثت طفرة غير مسبوقة بالمجتمع السعودي، عرفتها دول الجوار بأنها ذاك الينبوع الذي لا يجف عن العطاء عبر أجيال متلاحقة من العلماء والمثقفين وأهل القلم والفكر وهم من أثرى المكتبة العربية بأزخر إنتاجهم المعرفي.. الشعور بالاطمئنان والثقة بالنفس هما مظهرين من مظاهر الاستقرار التي لمستها من تلك الجلسة الحوارية المسائية وأعقبها عشاء سخي بالهواء الطلق..
الأخ جعفر الشايب، بقامته وحضوره أضفى على المنتدى أشياء كثيرة من قناعاته وثقافته بحيث بات لصيقاً به وكأنه توأم روحه. كان جديراً بالتوقف عند القائمين على المنتدى سواء من الوجوه النسائية المثقفة والواعية أو من الوجوه الشبابية الذين وجدوا المكان الذي يتناغم مع طموحاتهم وواقعهم. تابعت على مدار العام الأنشطة التي يقوم بها المنتدى، من ندوات ومحاضرات وتكريم شخصيات وخلافه، كانت صلة الوصل ”الفيسبوك“ تلك النافذة التي جعلتني على قرب مباشر من المنتدى.
كلما تأتيني ”رسالة“، أتصفحها وأغيظ الداعين لها، لما تحتويه من مخزون فكري ومعرفي ومناسبات وطنية يتمنى أي منتدى أن يجاريه أو يقوم بهذا الدور التنويري بما هو انعكاس لحالة التعددية والتنوع والتعايش بين أبناء الوطن الواحد وتحت سقف القانون. أهم ميزة في منتدى الثلاثاء تستوقفك تلك الأصوات التي تنادي بتجديد الفكر الديني وبحقوق الإنسان والمواطنة، فتلك ركائز الحداثة والبنيان الذي تخوض غماره شرائح المجتمع المدني السعودي.
عشرون عاماً من عمر المنتدى، استطاع أن يكسر الحواجز ويخلق أجواء من التعايش والتفاهم، فتجد من المشاركين، ذاك الطيف القادم إلى القطيف من مختلف مناطق المملكة ومكوناتها الاجتماعية والدينية. يكفي أن تستعرض أسماء السيدات والسادة المحاضرين، حتى تصل إليك كمراقب ”هوية“ هذا المنتدى، الذي يؤشر لانفتاح جديد، قائم على المكاشفة والمصارحة بهموم الوطن وأبنائه وعلى قاعدة أن المملكة تجمع ولا تفرق، تحتضن ولا تنفّر.
خطوط وطنية تأخذ منحى الاعتدال، وهو ما تحتاجه المملكة، منتدى الثلاثاء أشبه ببوصلة الوطن، منها تقيس حرارته وتعرف حيويته، في عيون أبنائه.. مركز معرفي بامتياز، فلا تمر ذكرى أو مناسبة أو يوم عالمي، إلا وتجد منتدى الثلاثاء حاضراً.
ليس عندي معلومات حول عدد الأندية الثقافية في المملكة لكنها بالتأكيد تزخر بهذا النوع من المنتديات، وهي ظاهرة تستحق أن تحظى بمزيد من الدراسات الاجتماعية، فلعل طرق هذا الباب يوصلنا إلى التشخيص المناسب لما نحتاجه من أدوات في سبيل تنشيط هذه الدور وتوظيفه بخدمة المجتمع وتنميته وبالتالي إعطاء المجتمع المدني مساحة أكبر لممارسة أنشطة وتوسيع الدائرة التي يعمل فيها، بحيث يتم استنهاض إمكانيات مجتمعية تسهم في بلورة تجديد الفكر السائد للانتقال إلى منظومة مفاهيم تحاكي التغيير وبلغة عصرية تواكب ما يجري في المجتمعات والدول الصناعية والكبرى في العالم.
بعد عشرين عاماً من الانطلاقة الأولى صار لزاماً على المعنيين بشؤون المنتدى، طرح السؤال، هل نجحنا بتعزيز حالة الحوار؟ هل أقمنا علاقات جديدة بين النخب الثقافية؟ هل فعلاً طرحنا موضوعات تهم المجتمع والناس؟
بعيداً عن لغة الأرقام، بعدد الندوات أو المحاضرات أو التكريم أو المناسبات أو الكتب، كل هذا مقبول وجيد لكن الجوهر يبقى مرهوناً بالنتائج التي حققها المنتدى فعلاً وليس قولاً، وبالتالي يحق لنا المتابعين عن بعد أن نسأل. إلى أين وصلت جهودنا على صعيد التعايش المجتمعي، والسلم الأهلي، والتسامح الديني، والتعددية وحقوق الإنسان؟ إذا استطعنا قياس تلك المؤشرات فربما نكون أجبنا على تلك الأسئلة.