يبدو لي ..
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم﴾ /البقرة 276
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ / الكهف 103-104
في الآيتين الكريمتين أعلاه، يخبرنا المولى عزّ وجلّ أن تطلّعات البعض إلى زيادة رؤوس أموالهم من الربا وهْم والحصول على مبلغ إضافي هو في الحقيقة نقص للمال لأن الربا ينهش رأس المال، كما أن شعار العمل الصالح ذلك العنوان الساطع المتوهّج وما يصاحبه من ضجيج الكثير منه يتم دون تبيّن وليس على أساس سليم خالص لله تعالى بل يكون تحت عناوين أخرى هو في الواقع مثل الزبد الزائف ومآله إلى الخسران المبين. يبدو لي أن الوهْم عبارة عن صراع السيطرة على مجريات الأمور والتواجد بين المؤثرين فيها ولو من الباب الفرعي وبين ضحالة الوعي والنقص الفكري مما يؤدي إلى فبركة وضعاً مزرياً بألوان توصف أنها زاهية مصطنعة على خلفية قاتمة.
ثمّة مئات من الرسائل والمعلومات تصلنا كل يوم لا تخضع مسبقاً للمراجعة والفرز ولا حتى نزع الغلاف والإطار الذي وضعه المرسِل، مما يجعلنا في دائرة المسؤولية عند اختيار المصادر والقنوات كما الزملاء في فريق عمل والتي تشغل هذه الأمور مجتمعة حيّزاً في ثقافتنا. كل اختيار يحتاج إلى نسبة عالية من الثقة والقناعة يقربها من الحقيقة وإن كانت في بعض الأحيان الحقيقة ليست ميسّرة. تشابك بعض الألوان مع بعضها البعض وهذا ما يدور عند التسويق والاختيار بين لونين متجاورين ودرجاتهما المرتفعة أو المنخفضة كما اللون الفيروزي هل هو من مجموعة الأخضر المائي أم هو أقرب إلى الأزرق السماوي، مثل هذا النوع من التشابك وان حصل فهو غير مؤلم لأنه مسلوب الحياة حميد ليس فيه لبس ولا ضرر.
من البديهي القول أن أصحاب التجارب على إطلاع ومعرفة بالحقائق أكثر من غيرهم، ومنها أن العقل والفكر يضيئ ويتوهّج في الفرد مع عمق انخراطه بمجتمعه ومواجهة متطلبات الحياة ومشاغلها المتعدّدة وكِبَر العمر قطعاً يعزز الفرص، فالمعرفة النظرية وحدها لا تكفي وهذا ما يواجه حملة الشهادات من عوائق توظيفية عند طلب العمل حال عدم احتضان حديثي التخرّج وإدراجهم في برامج تأهيلية وتطويرية محفّزة، حيث أن الوضع تغيّر فلم يصبح في هذا الزمان للشهادة بحدّ ذاتها قيمة وتقدير عند الكثير من المؤسسات المتوسطة والناشئة ، مع ذلك لا يمكن ربط الفهم بالعمر بوجه عام لما للبيئة من جهة والإرادة من جهة أخرى لكليهما تأثير كبير على نموّ الإدراك في الفرد والمجتمع.
مهم الإشارة هنا أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى في مراحل العمر بما يلزم توفر مستلزماتها في كل محطّة، ضمان توفرها القطعي وهْم. فلا كل الأطفال نالوا الحنان ولا كل الشباب تعلّم ولا حتى كل من اجتاز الثانوية بحث عن التسجيل الجامعي ولا كل من كافح وابتعِث اجتهد، ولا الزوج والزوجة حافظوا على مقوّمات المودّة والسعادة ولا كل الآباء تعبوا في التربية ولا الأبناء احترموا والديهم. نطالب بالمشافي ولا نلتزم بالأسس الصحيّة ونتشدّق بالتمزّق العائلي في الشعوب ونحن لا نصل أرحامنا، كما ننادي بمشروعات تنموية ولا نحافظ عليها وعلى استمرار خدماتها، مما يوحي أننا مغلوب على أمرنا في ظلّ سيطرة الهالات المغلّفة على تصرّفاتنا.
يبدو لي أن الحقيقة غير مقترنة بالمسمّيات والنياشين المزخرفة ومتى تحققت تكون جزئية لا كاملة فهي قد تزيد مع الأيام أو تتراجع بزيادة البحث والخبرة والمراجعة. والعلم الذي لا حدّ له سقفه ليس بمتناول أحد ودرجاته كثيرة وعميقة جداً ومن البطر أن نضع ذواتنا من ثلّة النوادر والاستثنائيين أو من كبار الكتّاب الذين لا منافس ينافسهم في علمهم وأفكارهم رغم أن الجميع يعلم دنوّ علمه ومعرفته وهذا يرجع إلى التباهي والحب الذي يدلّل نفسه ومحبوبه إلى درجة اليقين.
يقول الدكتور مصطفى محمود: لا يوجد وهْم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب، ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهْم مثل الموت.
البحث عن الحقيقة شغف العلم والمعرفة، يعطّله الوهْم.