خصائص السوق وفق الرؤية الإسلامية
في سياق صياغة الرؤية المتكاملة، تجاه حقيقة وواقع السوق في الرؤية الإسلامية، من الضروري بيان خصائص السوق وفق التشريعات والتوجيهات الإسلامية.. لأننا لن نتمكن من توضيح فكرة ونظرية السوق في الرؤية الإسلامية، بدون تحديد وبيان خصائص السوق كوعاء للعملية الاقتصادية والتجارية، كما حددتها النصوص الإسلامية.
وهذه الخصائص بمثابة المعيار الثابت، الذي نحدد من خلاله صوابية المسيرة أو الممارسة.. بمعنى أن هذه الخصائص، هي المعيار الذي يحدد مدى انطباق الواقع الاقتصادي الذي يتحرك بيعا وشراءا، إنتاجا واستهلاكا، في نظام السوق مع التوجيهات والنصوص الإسلامية، التي حددت هذه العناصر، بوصفها هي خصائص السوق في الرؤية الإسلامية الاقتصادية.
ولعل النقطة المركزية التي ننطلق منها في هذا السياق هي أن التشريع الإسلامي الاقتصادي يحاول أن يوجد حالة من المنافسة الشريفة داخل السوق لما فيه من مصلحة متبادلة للمنتج والمستهلك.
ومن الأدوات الرئيسة التي يشرعها الإسلام لتشجيع حالة التنافس الشريف ما يلي:
1 - الحرية الاقتصادية التي يقرها الإسلام في السوق، بحيث أن عوامل العرض والطلب هي التي تتحكم في السوق بدون تدخل من قبل طائفة التجار لإغلاء الأسعار، وبدون تدخل الدولة لتحديد الأسعار..
ومن الحرية توزيع القوة الاقتصادية، وعدم حصرها في مشروع واحد، الأمر الذي يحول دون ظهور الاتجاهات الاحتكارية التي تحاول حصر الإنتاج وتحديده ورفع الأسعار وإيجاد الاستغلال»[1]
2 - يدعو الإسلام إلى التنافس في الأعمال الصالحة والتسابق في الخيرات.. ولا شك أن من مصاديق الأعمال الصالحة، الإكثار من الإنتاج المفيد، وتحسين وسائل الإنتاج.. وبهذا تنخفض التكاليف مما يمكن المستهلك من الحصول على مطالبه بأقل مستوى ممكن من الأسعار..
وقد جاء في الأثر «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»..وجاء أيضا «لا تكسلوا في طلب معائشكم فإن آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها»[2] .
3 - دعت التوجيهات والإرشادات الإسلامية إلى تداول المعلومات، حول السوق وظروف الأسعار والسلع وصفاتها.. بحيث أن المستهلك يكون على بصيرة من أمره في الشؤون المختلفة للسوق.. ولذلك فقد نهى الإسلام عن بعض المعاملات التي لم تتوفر فيها هذه المعلومات ومن هذه المعاملات المنهي عنها «بيع الضرر - بيع المنابذة والملامسة - منع الغبن في البيع وقد أثبت الإسلام في هذا البيع الخيار.....»..
«وسوف يؤدي هذا القدر من المعلومات في النهاية إلى أن يكون أغلب البائعين والمشترين يملكون قدرا من المعلومات بكل الظروف والأوضاع السائدة في كل سوق سلعة أو خدمة يتم إنتاجها وتباع في السوق، وبالشروط الأخرى الخاصة بالسوق الإسلامية، في أن يسود سعر واحد للسلعة في السوق»[3] .
وبهذا يتأسس في التشريع الاقتصادي الإسلامي، أن المجال الحيوي الوحيد للمنافسة ليس في زيادة الأرباح بأية وسيلة، وإنما هو زيادة الإنتاج وتحسينه..
4 - أوجد الإسلام مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي تحافظ على سلامة المنافسة ونزاهتها، إذ جاء في الحديث «لا يبيع بعضكم على بيع أخيه»..
من هذه الضوابط إسداء النصح إلى المستهلك في اختيار السلعة المناسبة دون غيرها.. «ونستطيع أن نتصور مقتضيات هذا الركن «إسداء النصح» في مجال التنافس، فمثلا يجب على المسلم إذا رأى خسارة لا مرد لها ستحيق بمنافسه من جراء سبق أحرزه في ميدان الإنتاج المشترك بينهما، أن يبرئ ذمته بإسداء النصح له بأن يغير من طريقة إنتاجه أو يدعوه إلى مشاركته في مشروع تعاوني أو يرشده إلى مباشرة عمل آخر يكون أكثر انسجاما مع ملكاته وهلم جرا، أما أن يكيد له في السر والعلن ليخرجه من السوق ويستأثر بها وحده، فهذا ما لا تجيزه روح التنافس الإسلامي»[4] .
ومن هذه الضوابط أن لا تقوم المنافسة على حساب المستهلك معتمدين في ذلك على الغش والتدليس والتضليل في وصف السلع والبضائع لاستدراج العملاء..
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا ومن غشنا فليس منا، قالها ثلاث مرات، ومن غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه»[5]
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم «في سوق المدنية بطعام فقال لصاحبه ما أرى طعامك إلا طيبا، وسأل عن سعره فأوحى الله تعالى إليه أن يدير يده في الطعام، ففعل فأخرج طعاما رديا فقال: لصاحبه: ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين»[6]
ويقول الغزالي في آداب الكسب والمعاش: «فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم، وإنما العدل أن لا يضر بأخيه المسلم.. والضابط الكلي فيه أن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه.. فكل ما لو عومل به شق عليه، وثقل على قلبه، فينبغي أن لا يعامل غيره بع، بل ينبغي أن يستوي عنده درهمه ودرهم غيره، قال بعضهم، من باع أخاه شيئا بدرهم، وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا بخمسة دوانق، فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة، ولا يحب لأخيه ما يحب لنفسه..، هذه جملته، فأما تفصيله ففي أربعة أمور: أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها، وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصلا، وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئا، وأن لا يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لأمتنع عنه»[7]
وبهذا فإن المنافسة في السوق ليس نبذا للتعاون، وإنما هو تأكيدا له، وتنظيما اجتماعيا لا بد منه لحيوية السوق وفاعليته..
وعلى ما ذكر أعلاه، يمكننا تحديد خصائص السوق في المفهوم الاقتصادي الإسلامي بما يلي:
1 - تكافؤ العرض والطلب، لتحديد الأسعار وعدم إيجاد خلل في العملية الاقتصادية، قد تضر إما بالمنتجين أو المستهلكين..
2 - غياب الإكراه والقيود على تصرفات المنتجين أو المستهلكين، فهم أحرار في عرض البضائع أو طلبهم لها..