قلق الربيع العربي
ذات يوم فرح البعض كثيراً بما سمّي بالربيع العربي، وبعد فترة منه أصبحوا قلقين منه، حتى انشق الصف وأصبح هناك من يسميه فوضى الربيع العربي وآخر يدعوه ربيع الإخوان!
تلك رياح عاتية وصلتنا عبر خلط الأوراق وبعثرة المشاعر على مواقد الاستقرار وطاولات لاعبي الشطرنج، فتحولنا بين المشاعر والمكانس، وحب الرخاء.
كل ثورات العالم تبدأ بفوضى، والاستقرار ربما يحتاج لكثير من العقود كي تعود البلاد إلى استقرارها، ولكننا اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي، وما أسميناه لغة «تويتر» والـ» فيسبوك»، أصبحنا نتابع أصدقاء لنا في دول الربيع، وكلما رأينا حالة السأم التي يمرون بها، عبرنا خفافاً على مرأى من الكلمات، ونسجنا شيئاً من خيوط «لايك»، وربما «ريتويت»، لموقف لا يعبر عما بداخلنا من فوضى!
أصبحنا بين هذا الجيل وذاك لا نعرف هل نحن أبناء الفوضى، أو أبناء اللحظات التي ترسم خارطة جديدة لعوالمنا المقبلة؟ وتلك مصر التي اعتدنا عليها ذات يوم، وعشقنا نيلها تنشق بين الجدولين، وتعبر عن رغبة للخروج من المسار، وتونس التي عايشنا رغيف خبزها المتعب، وانتقالاتها مع «صاحبة الصالون»، ودخول جيل جديد كان مقيداً في السجون إلى القصور الرئاسية، أما اليمن وليبيا فقد نسيتهما نشرات الأخبار وأصبح شعبهما يتناحر بين قبيلة وعشيرة وصحراء عابرة.
تلك السجون الجديدة التي فتحت أبوابها لجيل يختلف عن سابقه، والسجان هو سجين سابق، ولكنه لم يغير حراس الأبواب وكأنهم حراس الفضيلة.
تلك مشاعر مليئة بالفوضى، وعواصم عربية تسقط واحدة تلو الأخرى والمطلب واحد يجمعها في سلة تواقة إلى شروق الشمس، والخروج من سدة الظلام التي أصبحت تسكن أروح بعضنا. ونتساءل، هل نحن مع هذا التغير، أم ضده؟ وهل نكرر ما يقوله البعض أنها مؤامرة على استقرار أمتنا العربية، ليحلق الذهن في الفضاء، هل نحن أمة مستقرة في الأساس أم نحن شعوبنا قبلت قليلاً من الرخاء وأصبحنا لا نبحث عن التغير؟
لعلي مع كل تلك الفوضى وأمانيها في شروق الشمس الساطع، رافض العيش بين أمنيات الرخاء المفقود، والشمس التي طالت في غيابها عشرات السنين، ولتستمر تلك الفوضى، والتمرد حتى تشرق شمس حقيقية على تلك العواصم التي رفض سكانها العيش في حالة رمادية، لا شروق ولا غروب، بل ظلام يعتقد البعض أنه شمس الحرية.