العربية في يومها..كانت ساعات اليوم بكلماتها
إثناء إعدادي لأطروحة الدكتوراة التي تحمل عنوان ”التعبير عن الزمن في قواعد اللغة العربية ونصوصها“، لفتت انتباهي أشياء كثيرة في هذا الأمر. نصحني المشرف الأستاذ الدكتور روجر أندرسون «رحمه الله» وبإصرار على التركيز على مضامين العنوان. على سبيل المثال لتلك الأشياء، هو أنه قبل اختراع الساعة بالأرقام التي نعرفها اليوم بعد أن تطورت كثيرًا في تاريخ البشرية، تعامل الإنسان مع الوقت والزمن بطرق مختلفة، وقد قسم العرب يومهم «النَّهار واللَّيل» إلى 24 وقتًا «فترة زمنية تعادل الفترة ما بين ساعة وساعة في زماننا»، 12 وقتًا «ساعة» لكل منهما [1] ، ولا بأس أن نذكر بعض المفردات مرتبطة بالموضوع:
اليَوم: الجمع أيَّام، زمنٌ مِقدارُه من طُلوع الشَّمس إِلى غروبها، وهو الوقت الشَّمسي، أي النَّهار؛ وعليه يكون اللَّيل من غروب الشَّمس إلى طلوع الفجر. «انظر: نهار» [2] .
النَّهار، وجمعه أنْهُرٌ، ونُهُرٌ، يراد به في الأصل ضِيَاءُ ما بينَ طلوع الفجر إِلى غروب الشَّمس؛ ضِيَاءُ بِدَايَةِ اليَوْم، يقال: ”طَلَعَ النَّهار“، أي بدأ اليوم؛ وعليه هو الفترة الزمنية ”مِنْ طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس، أو من الصبح إلى المغرب“ «المعجم الرائد: يوم».
اليَوْم الفلكي: اليوم النَّجْمي، وهو الزَّمن المتطلَّب لدوران الأرض حول نفسها بشكل كامل فيما يتعلَّق بالاعتدال الرَّبيعي في دائرة خطِّ الزَّوال والذي يساوي 23 ساعة و56 دقيقة و9 ثوانٍ من الوقت الشَّمسي [3] ، وساعاته هي الأربع وعشرون المعتمدة في التوقيت العالمي «Universal Time»، أو UT اختصارًا.
التوقيت الشَّمسي: طريقة حساب مرور الوقت اعتمادًا على موقع الشَّمس في السماء. الوحدة الأساسية للقياس في التوقيت الشَّمسي هي اليوم. يوجد نوعان للتوقيت الشَّمسي هما التوقيت الشَّمسي الظاهري، وهو توقيت المِزْوَلة الشَّمسية، والتوقيت الشَّمسي المتوسط وهو توقيت الساعة. المِزْوَلة الشَّمسيَّة، وتسمى الرخامة أيضًا، أداة لتحديد الأوقات النَّهاريَّة، تتكون من عدة نقاط وخطوط، رسمت على صفيحة عريضة، وفي وسطها عصا مستقيمة أفقية يتحدد الوقت من طول ظلها الناتج عن وقوع أشعة الشَّمس عليها، حيث تترك ظلًّا متحركًا على النقاط والخطوط. من أقدم آلات قياس الوقت لأن تاريخها يرجع إلى عام 3500 قبل الميلاد، استخدمها المسلمون قديمًا في المساجد لتحديد أوقات صلاتي الظهر والعصر [4] .
السَّاعَة: الجمع ساعات، جزءٌ من أجزاء الوقت والحين وإن قلَّ، وتعني الآن والوقت الحاضر، كما هي جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جزءًا من اللَّيل والنَّهار، وهي أيضًا تعني وحدة قياس للزمن [5] ، مكونة من 60 دقيقة، أو 3600 ثانية، وتساوي 1/24 «واحد على أربعة وعشرين» من يوم الأرض المتوسط، ويمكن أن تتضمن الساعة ثانية قفزة موجبة أو سالبة «أي تزيد ثانية أو تنقص ثانية» في ”التوقيت العالمي المنسق“ [6] ؛ لذا يمكن أن تصبح مدة الساعة 3599 ثانية أو 3601 ثانية. عُرفت الساعة في الحضارات القديمة واحدًا على اثني عشر من الوقت بين شروق الشَّمس وغروبها، أضيف إليها لاحقًا واحدًا على اثني عشر من الوقت بين غروب الشَّمس وشروقها، فأصبح واحدًا على أربع وعشرين من يوم كامل. علِّمَ المصريون الفراعنة الفترة بين شروق الشَّمس وغروبها بواسطة 18 نجمة، ثم تعيين ثلاثة من هذه النجوم لكل من فترتي الغسق الاثنتين؛ فتم تعليم فترة الظلام الكامل بالاثني عشر نجمة الباقية، ما نتج عنه تقسيم اللَّيل إلى 12 نجمة. وفي ما بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن الحادي عشر قبل الميلاد تّمَّ تبسيط النظام، باستخدام مجموعة من 24 نجمة، بإضافة 12 نجمة لمرور فترة اللَّيل. أخذ الرومان هذا التقسيم «الأربع وعشرين ساعة» [7] ، ولعل العرب أخذوه منهم، للتشابه الكبير بين التقسيمين. بهذا أصبحت الساعة واحدًا على أربع وعشرين من اليوم الشَّمسي الحديث «بين منتصف اللَّيل وتاليه، أي بعد الساعة الثانية عشر ليلًا إلى الساعة الثانية عشر ليلًا التالية». هذا العرض، يأخذنا إلى أسماء ساعات اللَّيل والنَّهار عند العرب من كتاب ”فقه اللغة وسر العربية“ لأبي منصور الثعالبي «350-429 ه»، مع مقاربة اجتهادية في ”الساعات“ العصرية المقابلة لها.
هذه أسماء ساعات اللَّيل والنَّهار عند العرب حسب تصنيف الثعالبي، لكنه لم يخبرنا كيف كانت تحسب أو تعرف هذه الفترات؟ خاصة اللَّيلية منها، ومن المهم أن نتذكر، كما أشرنا آنفًا، أن اليوم المعاصر يبدأ من بداية الثانية بعد الساعة ال 24 مباشرة «آخر ساعة في اللَّيلة، وهي ذاتها آخر ساعة في اليوم». طبعًا هذا ”التقويم“ لا يعتمد على حقيقة اليوم عند العرب الذي يبدأ من غروب الشَّمس؛ فاللَّيل يسبق النَّهار، وإلا تغير ترتيب الفترات وساعاتها المقابلة.
في الختام، من المهم أن أؤكد على أن وحدات الزمن من ”ساعة“، وتطورها لتعني ستين دقيقة بالتوليد اللغوي العصري الحديث، إلى ”قِطَعْ اليوم“ المختلفة فيها دلالة على الإحساس بالزمن وأهميته عند العربي، وجاء الإسلام العظيم وأكد مفهوم الوقت والزمن من خلال الدقة في مواعيد العبادات كالصلاة والصوم والحج والزكاة، وأمور أخرى اجتماعية كالاعتداد والحداد، وغير ذلك من أمور وقضايا في حياة المسلم. والأمر الثاني المهم الذي يجب تأكيده هو أن الوحدات الزمنية الحديثة ”دقيقة“ و”ثانِيَّة“ كلها جاءت أصليَّة في الاستخدام العربي، لا تعريبًا ولا ترجمةً بل بلسانٍ عربيٍّ مبين [9] .
لغتنا العربية بخير ولا زال فيها قلبٌ نابضٌ ودمٌ متدفق، فقط تحتاج أن ينهض العرب ويتحرروا مما يقيدهم لينطلقوا في ركب الحضارة ويكونوا منتجين، لا مستوردين ومستهلكين، في أصناف الحضارة وأبعادها، لتقول لهم ”دعوا الباقي عليَّ، لم أخذلكم من قبل ولن أخذلكم اليوم.“ فكل عام وأنتِ بخير يا لساننا السليم الصامد في جسدنا المريض.