آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

ما بين اشتراكية الشاي ورأسمالية القهوة

أثير السادة *

الشاي، هذا الشفاف كالسماوات، لا يحب أن يستريح وحده على الطاولة، يأخذه الشوق دائما لسورة اللقاءات المكتظة بالفرح، يتلو فيها ماتيسر من مرارته اللذيذة، كلما امتطى الحضور صهوة حكاية جديدة، طاف بهم واحدا واحدا كمن يسخن من حرارة اللقيا.

يخرج الإبريق من صمته ساعة يصيره الماء الدافئ لونا عقيقيا، يلون الحياة، ويستعيد نص الجماعة التي تحب الاشتراك في كل شيء، يرتفع وينخفض كي يترجم المسافة بين الحاضرين، ويفتح الطريق لانسكاب الحكايات، قبل أن تنطفئ في المكان آخر رشفة في كأس الاشتياق.

الشاي هو دعوة دائمة للشراكة في الإبريق، وفي القبض على الاستكانات، وتدوير الحكايات، والعدالة في تسوية المزاج، وفي الإبقاء على جنة الطعم متاحة للأغنياء والفقراء، بعد كل جحيم الغلاء الذي يرمي الجميع بالحجارة.. بينما القهوة تمشي بقدمين عاريتين إلى رأسماليتها الفاحشة.. إلى تمجيد المأخوذين بعزلتهم، المصلوبين على باب خوفهم من صفاء الماء، ممن اختاروا الشرب على متكئ الوحدة، حتى وإن حضروا في زحمة الناس.

تخدر عند أهل الشاي فوضى الحكايات، فيما تكبر في سواد القهوة أوهام الغياب، كلاهما يفتح للشاربين نوافذ من سهر، ويترك لليل تآويل الأحلام الشاردة، بين من يشرب الشاي ويحتسي القهوة مسافة بطول مدينة، لا يختصرها اللون ولا الطعم ولا فاتورة الحساب، مسافة من مزاج ولغة وأسلوب حياة، مع الشاي الوقت هو داخل الوقت، ومع القهوة هو خارجه، فالشاي علاج وحشتنا، وفي القهوة دعوة لنسيان المنضدة التي نجلس بجوارها!.

في كل استكانة شاي ماء يسافر بنا إلى صفحة من صفحات الحياة، فيما أكواب القهوة تعيد كتابتنا سطورا على هوامشها، يسافر الواحد منهم في خطيئة المزاج وهو يشعل فتيل الزيت في وضح النهار.. الشاي ارتواء، وامتلاء، والقهوة ظمأ دائم!.. والشاي حرز لجيوبنا المثقوبة، بينما القهوة جيش من الفواتير المؤجلة!.