آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:08 م

مآلات البحر في الثقافة المحلية

أثير السادة *

يدعو الأستاذ يوسف أبواللوز في مقالة له اليوم بجريدة الخليج الاماراتية إلى تبني مهرجان لمسرح البحر في الشارقة، منطلقا من قناعته بوجود فضاء وحكاية وذاكرة يمكن الاستناد إليها لتقديم تجربة ابداعية مسرحية، لا تخلو المقالة من حماسة وشاعرية تدفعه للنبش في التراث المسرحي الإماراتي عن صورة البحر، وأدبياته، كقرين للصحراء التي بدورها وجدت طريقا لتأسيس مسرحها الخاص في هذا البلد.

هذه الدعوة تدفعني للتساؤل عن قيمة البحر وطبيعة حضوره في المنجز الإبداعي المحلي، عن تمثلاته الثقافية في سيرة الإبداع الجديد، لنقل جيل ما بعد الألفية، هذا الفضاء الواسع والغامض هل مازال مادة مغرية للكتاب المسرحيين مثلا، أو الروائيين على قلتهم، وللشعراء الذين يغرفون من كل شيء ساعة يكتبون.. ما الفارق الجمالي والموضوعاتي في إبداعات أهل الساحل في مقابل أهل الصحراء مثلا.

إذا كان الامر يتصل بذاكرة المكان، فحتما هنالك الكثير من الحكايات التي تختزنها الذاكرة، والتي عادة ما يجري استدعاؤها مسرحيا وادبيا في صورة الصراع بين البحارة والنواخذة، نموذج العلاقة القهرية والاستبدادية التي بالرغم من الانشغال بإدانتها فنيا وادبيا إلا أنها خارج النص تصبح عنوانا للتفاخر والقوة، ساعة يحاول البعض وصل نسبه بالنواخذة!... هنالك الكثير من العلاقة الروحية والعاطفية والعلاقة الاجتماعية والاقتصادية التي كانت ترسم شكل علاقة الإنسان بالساحل، وتهبه مزاجا وسلوكا وطقوسا ومعجما لغويا خاصا مازال بعضه حاضرا في صورة فوارق ثقافية ملحوظة بين المدن والقرى المطلة على الساحل وسواها من البلدات.

هل مازال البحر يؤثث فضاءنا الروحي؟.. ما هو مؤكد أن شكل العلاقة بين الإنسان والأرض عموما تغير، نحن اليوم نرى البحر ولا نلامسه غالبا، ندير ظهرنا له ولا نحدثه إلا نادرا، غياب الأسياف جعل العلاقة الحميمة مع البحر تتآكل شيئا فشيئا، وإذا ما استدعى مبدع هنا أو مبدع هناك صورة البحر فمن باب البكاء على الأطلال لا أكثر، إمعانا في تبجيل الحزن على الماضي، والحنين إليه، ماض ربما لم يمر يوما بأقداح الجيل الجديد، سوى اشباح ذكرى في سرديات الآباء والأمهات.

هذا لا يعني أن البحر قد نفض يده وخرج من الباب، فهو مازال يتخلل أجساد الناس، ويهب المدينة صورتها، محتضنا ما بقي من قوارب ومراكب للصيد، مازال يزين الوقت بمده وجزره، ويحيل الأفق حوارا جميلا مع زرقة النهار، إلا أنه لم يعد منصة للصراعات الدرامية، ولا المغامرات، هو في كل يوم يبتعد شيئا فشيئا عن التماس مع حياة الناس، وربما خيالهم أيضاً!.