علماء من القطيف: عبد الهادي الفضلي
يتسم معظم رجال الدين بكونهم منغلقين على إرث دينهم ومذهبهم المعرفي، فيكون من الصعوبة بمكان أن يتواصلوا بفعالية مع غير أبناء مجتمعهم الضيق ومن يفكر على شاكلتهم. لكن الدكتور عبد الهادي الفضلي هو من القلة الذين استطاعوا أن يتجاوزا هذا السور.
تمكن الفضلي كبقية زملائه في كلية الفقه كالسيد فضل الله والشيخ الوائلي وأساتذتهم المظفر والصدر أن يحملوا علما عالمياً لا يحصره دين ومذهب. كسالف علماء الشيعة الذين كانوا رفدا للجميع كالشريف الرضي والشريف المرتضى.
ولعل ذلك السبب هو الذي جعل رجال الدين التقليديين يحسدون أبناء كلية الفقه ويحاربونهم ويكيلون لهم سيل السباب والشتائم وفتاوى التضليل البائسة. لكن الفضلي أكبر من أن ينجر إلى مثل هذه المستنقعات، فكرس جهده وعلمه في نفع الناس على اختلاف مشاربهم. فحيث ما كان الفضلي كانت هنالك لمسات التطوير المنهجية. في كلية الفقه أو في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة أو في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن، كان الفضلي علامة الفارقة.
قام الفضلي بتطوير عملية التأليف في الحوزة العلمية التي كان أغلب نتاجها يعتمد على موالفة المواضيع المتشابهة من التراث القديم وشرح العبارات فيه، وبدأ ينتهج أسلوبا أكاديميا في التأليف. مما جعل مؤلفاته في المنطق مناهج دراسية حتى في حوزات من يشنؤونه ويحاولون الانتقاص منه فضلا عن بعض الجامعات.
وبرع الشيخ في علم النحو وسائر علوم اللغة حتى قال فيه أستاذ علوم اللغة بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمد عريف أنه أعظم النحويين في المملكة [1] .
أما اجتهاده في علوم الفقه فلا يشق له غبار مما حدى بصاحب كتاب الذريعة الآغا بزرك الطهراني أن يقول في الفضلي أنه: ”الواصل في حداثة سنه إلى أعلى مراقي الكمال“.
تميزت مؤلفات الفضلي في المنطق بكونها مبسطة وموجزة بنحو غير مخل. فاشتهر الفضلي بالخلاصات فألف خلاصة علم الكلام وخلاصة الحكمة الإلهية وخلاصة المنطق، وهي مؤلفات تنم عن فهم عميق بموضوعاتها يستخلص فيها الفضلي زبدة ما في منهاج كتبت بلغة يكثر فيها تعقيد العبارة والحشو فيجعلها مستساغة لجمهور أوسع. وألف الفضلي في أصول الفقه وعلم القراءات والتجويد والتربية ما يمكن الاطلاع عليه في ”شبكة الفكر للكتب الإلكترونية“ [2] .
لم يكتف الفضلي بالتحصيل والتأليف بل كان مهتما بالنتاج المستدام الذي دام حتى بعد رحيله. فهو الذي أسس قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة [1] ، وهو أحد مؤسسي الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية بلندن. وامتلك الفضلي شخصية ساحرة من دماثة الأخلاق والتواضع بالرغم من تفوقه العلمي، تترجمت بانتخاب زملائه في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة رئيسا لقسم اللغة العربية فيها بعد تأسيسه له [3] .
إن الفضلي معلم حياة نستفيد منه كيفية التكيف مع مختلف المجتمعات والبذل والعطاء فيها والنفع لعموم الناس وعدم التقوقع على النفس والأيديولوجيات والفوارق الضيقة. رحم الله الفضلي وأخرج من بذور علمه من يواصلون السير على خطاه.