الثلاثاء من يوم إلى منتدى
لمنتدى الثلاثاء الثقافي حضوره المميز على قمة المنتديات الأهلية السعودية من حيث غزارة وتنوع المحتوى المعرفي الذي يقدمه، من جهة، ومن استمراره المنتظم، طوال عشرين عاما، متصلة دون انقطاع. حتى بدى لي أن يوم الثلاثاء، الذي كان حائرا بين أيام الأسبوع على أي كفة يميل، هذا الثلاثاء امتلأ بالمنتدى وانتسب له. ”الثلاثاء“ في تجربة نادرة، رسم خططه الواضحة والمعلنة، وتناوبت على إدارته قيادات جماعية، تعاقبت بيسر وسلاسة، فابتكرت أسلوبها الفريد في الإدارة الثقافية.
من زاويتي الأثيرة، أشير الى أن ”الثلاثاء“ بادر مبكرا - ربما السبّاق بين المنتديات الأهلية - إلى تنويع برامجه الثقافية وتسليط الضوء على مختلف الفنون كعنصر رئيس إلى جانب المحاضرات والندوات الثقافية. فجاء النحت، والفوتوغراف، التشكيل، الموسيقى، والمسرح، في حلة بصرية فعلية كمعارض، إضافة إلى قراءاتها الثقافية المصاحبة من ندوات ومحاضرات وحوارات مبدعيها.
وهنا أعرف أن ”الثلاثاء“ من أوائل المنتديات الأهلية التي تنظم معارض فنية فيها حيث بدأ ذلك منذ عام 2010م، كما أنه وفي نفس العام أيضا بدأ في تناول الأفلام السينمائية السعودية بالعرض والنقاش والحوار مع صناعها، واستمرت حصة الأفلام في برامج المنتدى حتى هذه الدورة العشرين، حيث تم عرض ومناقشة وحوار 18 فيلما سعوديا في عام 2020م. وينظم المنتدى حوارات حول الأفلام السينمائية مع أصحاب الأفلام الفائزة في مهرجان الأفلام السينمائي السنوي الذي تنظمه جمعية الثقافة والفنون في الدمام، ويستضيف ممثلين ومخرجين ونقادا في مجال الفنون خلال هذه اللقاءات.
إن ما يميز مثل هذا العمل الثقافي هو قدرته على تقريب التجارب الفنية المختلفة إلى الجمهور العام الذي قد لا يكون مهتما بحضور المهرجانات السينمائية أو المعارض الفنية. فالمنتدى يعمل على تجسير العلاقة بين الثقافة والفن، فيشارك حضور رواد المنتدى من المثقفين في معايشة التجارب الفنية وأحدثها، وهو عمل متميز وفريد.
للمنتدى سمة راسخة في المنطقة الشرقية، وهي التعاون الفعال مع المؤسسات الثقافية الأخرى، سواء رسمية أو أهلية. ومن تجربة شخصية، أستطيع القول أن التعاون بين المنتدى وجمعية الثقافة والفنون بالدمام، كانت من التعاونات الناجحة والمتميزة بمحتواها وتأثيرها، وخير مثال تلك الاحتفالية الكبرى بالأديب الراحل الدكتور عبد الرحمن الوابلي الذي تم تنظيمه بتاريخ 11/4/2017م، وتحدثت فيها شخصيات ثقافية وفنية عديدة. وقبل ذلك نظم المنتدى حفلا تأبينيا ضخما بالتعاون مع دارة الملك عبد العزيز للشاعر المعروف خالد الفرج بمناسبة اليوم الوطني للمملكة بتاريخ 23/9/2014م. كما نظم فعاليات متنوعة متعاونا مع النادي الأدبي بالرياض، وشارك أعضاؤه بفعالية في مختلف فعاليات المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية في المنطقة. ويواصل المنتدى تعاونه في هذا المجال مع مؤسسات أكاديمية في المنطقة، من بينها جامعة الأصالة التي نظم معها في الموسم الماضي محاضرة حول مفهوم الاستدامة.
إن العمل التطوعي في المجال الثقافي رهان صعب، وتجربة منتدى الثلاثاء، مثال على الوعي بتلك الصعوبات وابتكار حلولها، ومن أهم تلك المفاتيح، التنظيم الإداري، والذي استفاد من تراكم خبراته، وطورها حتى وصل إلى منظومة مرنة، ومتعاونة بانسيابية محكمة. فرئاسة المنتدى المتغيرة، ومجلسيه الاستشاري والعمومي، وإدارته التنفيذية، كلها تتغير بانتظام كل سنتين. أستطيع القول أن المنتدى أسس مفاهيم العمل التطوعي كمنظومة أهلية، ناجحة بامتياز.
من هنا كل ما أتمناه هو حصول المنتدى على رخصة مزاولة نشاطه كمؤسسة أهلية غير ربحية من مؤسسات المجتمع المدني في المملكة، وهو أمر ليس ببعيد عن إدراك إدارة المنتدى.
يتبقى لي تقديم شكري وتقديري لـ ”الثلاثاء“ الذي عايشته حضورا، ومشاركة في بعض فعالياته، وأخيرا وجودي في مجلسه الاستشاري للفترتين السابقتين. امتناني لكل الزملاء والزميلات الذين شاركتهم أحلامهم وسعيهم النبيل، إلى تحقيق مشاركة ثقافية وتفاعل معرفي في وطننا العزيز.