يد بيضاء
«لو سبحت في فضاءِ مشاعرِ مَنْ تُعطي، ووجدت كلَّ ذلك الكم الهائل من السعادةِ بسببِ عطائك؛ لجعلت العطاءَ واليدَ البيضاء تمتد لكل ذي حاجة...» الكاتب
العطاءُ صفةٌ سامقةٌ رفيعةٌ تُقَدِّمُ - على طبقٍ من نورٍ - وصفةً روحيةً وجدانيةً مدادها الوفاءُ والإخلاص، يتناولها مَنْ وجدت هذه الصفة طريقها إليه، فتسري نهرًا صافيًا سلسالًا متدفقًا يفيض حبورًا وسرورًا وارتقاءً إلى أن تضعَ رحالها في آخر محطةٍ لها، هي محطةٌ نابضةٌ بالمشاعرِ والأحاسيس الدافئة، إنها قلب ذلك المعطي؛ فتحوِّل بيداءه إلى حدائق غنّاء، ورماله إلى خضرةٍ نضرة، وتُبقي خيمته الكريمة ملاذًا لاستقبالِ المحتاجين، ورمزًا للعطاءِ السخي الذي لا يتوقف ولا يتبدل.
مجتمعنا يزخرُ بل ويفخر بكوكبةٍ لامعةٍ في سمائنا الرحيبة، تحملُ تلك الكوكبةُ مختارةً هذه المشاعل النورانية من البذلِ والندى، فعطاؤها شاهدٌ لائحٌ في دنيا الناس، وسخاؤها بدرٌ متألقٌ لكل صاحبِ حاجة، فهي النموذجُ المثالي الذي يتجسدُ من خلاله معنى العطاء في أبهى وأجمل صوره، وهي القدوةُ الراقيةُ التي ينبغي محاكاتها، وهي المثالُ الرائعُ الذي يجب تقليده.
أصحاب الأيادي البيضاء يدركون بشكلٍ لا مرية فيه عِظَم عملهم وقيمته، والآثار الإيجابية المترتبة عليه، كمحصلة وخلاصة لعطائهم في المجتمعِ الذي ينتمون إليه انتماءً حقيقيًا ويتفاعلون معه بصدق وحب؛ لذا فهم يبذلون بسخاء منقطع النظير؛ حتى تظهر تلك الآثار كالبلسم والترياق على كل من صافح تلك الأيادي المحسنة الكريمة، وكل من عانقَ تلك الأفئدة الرحيمة، فبهم الآلام قد تلاشت، وبفضلِ مواقفهم الجليلة تزينت مساكنُ أولئك المحتاجين بالأملِ في انفراجِ كربهم وقضاءِ حوائجهم.
حقيق علينا وحري بنا أن نذكرَ في كل محفلٍ مواقفَ هؤلاء الثلة من المخلصين الأوفياء لمجتمعهم، وأن نخلدَ حكاياتهم؛ ليبقوا حاضرين معنا في ذاكرة الأيام كنباريس يهتدي بها كل من أرادَ أن يسيرَ على نهجهم وطريقتهم ومبادئهم الخيرة.
إن كافةَ فئات مجتمعنا - بلا استثناء - لهم دورٌ مهمٌ وكبيرٌ وجليلٌ في إبرازِ هؤلاء الطيبين وإظهارهم، وتبيان ما قدموه من عطاءٍ وإحسانٍ خلالَ مسيرةِ حياتهم، وما سيقدمونه، وعرض برامجهم وخططهم المستقبلية في خدمةِ أبناءِ مجتمعهم من المحتاجين والمعوزين.
لا بد لنا وأن نجعلَ أصحابَ الأيادي البيضاء أيقونات مغلفة بمعدن الفرانسيوم في عالمنا الصغير، فالمجتمع الذكي هو من يقوم أبناؤه باختيار أيقوناته الذين ينبغي أن يمثلوه خير تمثيل أمام المجتمعات الأخرى، ولا أفضلَ ولا أجملَ ولا أرقى من اصطفاءِ هؤلاء البارين، فعملهم شاهدٌ على إنجازاتهم، وهذا الشاهد يعد كافيًا ووافيًا وتامًّا لأن نعطيهم الزُلفى والمقام والمكانةَ المستحقة لهم بين الناس.