«القيم» صناعة سعودية
ما الذي يشكل سلوك الإنسان؟ وكيف يتمايز الأفراد فيما بينهم في حياتنا اليومية؟ هذا السؤال هو «سدرة المنتهى» لكثير من علماء النفس والمجتمع حول العالم. الإجابة عن هذه الاستفهامات الكبرى ستساعد الحكومات على فهم مواطنيها، والشركات على استيعاب مستهلكيها، والعوائل على إعداد أولادها نحو حياة أفضل.
لعل أبسط مقاربة لإجابة هذا السؤال هي صورة الجبل الجليدي المغمور في البحر، الذي لا يرى الرائي منه إلا قمته.
إذا كان الجبل الجليدي هو الفرد، فالقمة هنا هي السلوكيات الظاهرة للعيان، ولكن هذه القمة تقبع تحتها طبقات صخرية متراكمة في جوف البحر، هذه الطبقات الدفينة هي ثقافتنا وقيمنا القابعة في دواخلنا، والتي نشأنا في تفاصيلها، أي إن الثقافة السائدة والقيم المجتمعية التي تشكل جوهرنا هي القاعدة الضخمة التي نتكئ عليها وننطلق منها في تشكيل توجهاتنا وآرائنا وانطباعاتنا في تفسير مجريات الحياة واتخاذ مواقفنا فيها.
هذه الخلفية الدينامية المعقدة هي المحرك الرئيس خلف سلوكنا، وهي الإطار الذي يحدد سلوكنا إلى حد كبير.
ولكن هل هذا الإطار بديع أم بائس؟ هل هذا المحرك ينطلق بالفرد نحو حياة كريمة مثمرة أم نحو البؤس والظلام؟ هذا السؤال قيَمَي بحت، أي إنه يعتمد على القيم التي شكلت الجبل الجليدي برمته. قيم راسخة ومتينة مثل المواطنة والالتزام والامتنان والتسامح غالبا ستنتج لنا فردا مدهشا في سلوكه اليومي وبالغ الأثر في حضوره، ولذا فإن بناء منظومة القيم ينبغي أن يكون أولوية قصوى للقادة حول العالم نحو بناء عالم أفضل للجميع يسير بنا نحو وجهات مزهرة.
من هنا فإن تشييد مجموعة خاصة بالقيم في رئاسة المملكة لمجموعة العشرين يعد فتحا كبيرا ونبراسا نحو سياسات عالمية مضيئة، تأخذ بالاعتبار بناء الإنسان قيميا وسلوكيا جنبا إلى جنب مع مؤشرات الاقتصاد والرفاه.
هذه المجموعة المبتكرة تهدف إلى دمج القيم في عملية صناعة القرار لتكون السياسات مؤنسنة وبناءة على الصعيدين النفسي والمجتمعي. فكل المشاريع الدولية والإقليمية مهما بلغت من رؤى حالمة وأجندة تقدمية لا يمكن أن تشرق دون بناء الإنسان أولا.
ولدينا في رؤية 2030 خير مثال وهي التي ترتكز على المجتمع في عمقها وجوهرها.
أن تكون المملكة العربية السعودية مهدا لمجموعة القيم هو وسام نتفاخر به، ويجب أن نعمل على الحفاظ عليه وإبرازه دوما لتكون هذه المجموعة ركنا رئيسا ضمن مجموعة العشرين، وغيرها من المحافل العالمية للعقود القادمة.