من أوراق ناشط اجتماعي عتيد
يفرد أوراقه ويستوي جالسا، يوزع ابتساماته بين الحضور، يرحب بهم، وهو يرقب الباب في انتظار بقية الأعضاء، المناسبة هي اجتماع شهري، لعائلة صغيرة تمتد على خارطة موزعة على ثلاثة عوائل، اجتماع يتطوف كل شهر على بيت من بيوت هذه العائلة، في جدول لا يتغير إلا نادرا.. كنت في مطلع العشرين أو قبل لها بقليل، حين شهدت أول الاجتماعات، يومها كان بيتنا يمور تحضيرا لهذا الجمع، لا شيئ يشبه قلق أبي وهو يلقي النظرة الأخيرة على الترتيبات الخاصة بالحدث، بانتظار وجوه أعرفها تماما، وهم أعمامي، وأخرى كان الحدث الشهري سببا للتعرف على قرابتها، وهم تحديدا أبناء خالاته.
يرتبك الجدول بغيابه، ارتباك يذكر بأنه الدينمو لهذا الحدث، صانعه وحارسه في آن، هذه اللقاءات العفوية تصبح منصة للكثير من الفعل الاجتماعي، والتوجيه التربوي في روزنامته.. ما كان منذورا للتواصل والتراحم بين أبناء العائلة الواحدة، تمدد ليصبح فسحتهم للتفكير في ما يهب لها استقرارها العاطفي والاجتماعي والاقتصادي، وفسحة للترفيه والتحفيز، وصنع الفرح الموسمي.
الفاتحة كانت فاتحة كل لقاء، هدية للذين مضوا وتركوا خطواتهم على الأرض في صورة أجيال ممتدة تدعو لهم بالخير، بعدها تجمع الصدقات للفقراء، والاشتراكات لصندوق منذور للمناسبات العائلية، ومن ثم تبدأ جولة الأخبار، الحضور يتبادلون أخبار بعضهم البعض، هذا سافر، وذاك تعرض لوعكة، وآخر يبلغ الحاضرين السلام، وهكذا.. هذا ما يعرفه الحضور، فيما هو كعادته يأتي محملا بهواجسه الاجتماعية والتربوية، دفتره المفتوح مملوء بالسطور التي دونتها لأجل لقاء لا يتكرر إلا مرة كل شهر.
الجلسة الثالثة من السنة الخامسة، هكذا يفتتح أوراق الجلسة، بعدها موضوع اللقاء، لا يمكن أن تغفل هواجسه المفتوحة على واقع المجتمع، وعلى قلق الآباء والأمهات، الاستعداد للعطلة الصيفية، العلاقة بين البنات وأهلهن، سهر الأبناء خارج البيت، العودة للمدرسة، زيارة الأرحام... عناوين أشبه بالمفاتيح لموضوع قد اختمر في الليلة السابقة، يذكر من خلالها أعضاء المجلس العائلي بفروضهم الاجتماعية، بعضها مدفوع بقصص وردت إليه عبر اتصالات الأهل، وهو الذي اختار أن يكون الصوت المصلح داخل العائلة.
كان يختار للقاءات الأولى ضيفا يدعوه للحضور من خارج العائلة الصغيرة، يعرفه بنشاط المجلس، ويحرضه بنحو غير مباشر للتفكير في مبادرات مثلها، مفتونا بإيقاع للتو انتظم وأصبح طريقا لتعزيز المحبة والألفة بين الأسر التي بدأت تكبر عاما بعد عام.. لم يكن المجلس الذي يقترب من إكمال 30 عاما قصيدته الأولى في ساحة العمل الإجتماعي، لكنه تعويذه الدائمة في ذهابه وإيابه، تأخذه الانشغالات بعيدا، ويبقى صوته يحرص ولو من بعيد على بقاء جذوة هذه المجلس متقدة.
هو واحد من الأسماء التي لا يشغلها التأرجح بين النسيان والتذكر عند الناس، يفتح نوافذه على الكثير من المناشط الاجتماعية في هذه البلدة، يؤمن تماما بأن يد الله مع الجماعة، فلا يتخاذل عن المشاركة في نشاط هذه الجماعة أو تلك.. يعرفه صندوق الزواج الجماعي، كما تعرفه اللجنة الاجتماعية بنادي الخليج، وتعرفه سيهات التي كان في تسعينيات القرن الفائت يحدث الناس عنها في الاذاعات، مختتما قوله: سيهاتي ابن سيهات.
فتحية للعم العزيز، السيد عيسى السيهاتي، الذي مازال يسقي المبادرات الاجتماعية بجهده ووقته، ويهب الأرض كل حواسه.