آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

كرة الثلج والإصابة بكورونا

الدكتور صلاح بوحليقة

منذ بداية الجائحة إلى هذا اليوم، لم يخطر بخلد أحد شدة تشعب ومدى تفشي فيروس كورونا، بالرغم من هشاشته مقارنة بالفيروسات الأخرى التي انتشرت في السنوات الماضية. فكان اعتقاد العلماء المختصين في بداية الأمر أن هذا الفيروس ربما سيزول بعد وقت قصير من ظهوره، وأن دراسته ومعالجته ستكون سهلةً نوعاً ما، استناداً للمعلومات المكتسبة والأبحاث المتراكمة في هذا المجال للكائنات المجهرية، لكن ما يحصل عكس ذلك.

فبعد كل فترة ومع تفشي الوباء أكثر وأكثر، تُكتشف أعراض ومضاعفات جديدة. بالأمس القريب كان عدد المصابين حول العالم بضعة ملايين واليوم يتجاوز عتبة 56 مليوناً، ما يجعل العلماء في حيرة، خصوصاً مع تنبؤ لحدوث موجة ثانية عالمية وشيكة من الوباء وما سيتبع ذلك من مضاعفات، حسب المعطيات الحالية. كما أن ظاهرة شدة انتشار الوباء لم تنخفض بل تفاقمت، خصوصاً مع عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وما سأذكره مثال على ذلك.

نَشَرَ مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي «CDC»، الذي يُعنى برصد ومتابعة الحالات المصابة بفيروس كورونا، تقريراً في 13-11-2020 م حول إصابة 177 شخصاً خلال 38 يوماً بعد حضور بعضهم حفلَ زواج، مات منهم سبعة، وأُدخل سبعةٌ آخرون للمستشفى.

جَرَتْ أحداث تلك الحادثة في مدينة مَيْن الريفية «Rural Maine Town» ابتداءً من 7 - أغسطس-2020، حيث شارك خمسةٌ وخمسون «55» شخصاً حفلَ زفاف أُقيم في صالة مغلقة. يذكر التقرير، أنَّ كلَ المدعوين لم يلتزموا بإجراءات التباعد الاجتماعي أو لبس الكمامات، بالرغم من وجود اللوحات الإرشادية، بينما التزم العاملون في تلك الصالة بالإجراءات الاحترازية.

في اليوم التالي من الزفاف «8 - أغسطس»، ظهرت أول أعراض الفيروس «حرارة، كحة، سيلان من الأنف، إعياء» على أحد المدعوين من سكان تلك المدينة، لكن إصابته لم تؤكد إلا في 13 - أغسطس. أما تأكيد أول الإصابات فبدأت بعد خمسة أيام من حفل الزفاف «12 - أغسطس، حالتان»، وثلاث حالات في اليوم الذي يليه. أما يوم 14 - أغسطس، فقد بلغ عدد حالات الإصابة المؤكدة 24 حالة، كلها ارتبطت بحضور حفل الزفاف، مما حدا مركز السيطرة على الأمراض في هذه المدينة لإجراء تحقيق عاجل وإعلان حالة تفشي الوباء. في يوم 20 - أغسطس، تم تأكيد إصابة ثلاث حالات من العاملين في صالة الزواج، وأيضاً حالات جديدة لمن شارك في الحفل من المدعوين «إصابة أولية»، أو المخالطة لمن حضر الحفل «إصابة ثانوية»، أو مخالطة للمخالطين «إصابة ثالثية».

أحد المدعوين من سكان المدينة، ظهرت عليه أعراض المرض بعد ثلاثة أيام من حفل الزواج «10 - أغسطس»، وفي نفس اليوم حضر اجتماع أُجري في مَدرسة. بعد حوالي خمسة أيام تأكد إصابة هذا الشخص، وأيضا اثنان ممن اجتمع بهم في المدرسة. أدى ذلك لإغلاق المدرسة وفحص كل المخالطين.

مدعوٌ آخر، نقل الفيروس لوالده الذي يعيش معه. بدأت أعراض الإصابة تظهر على الأب في اليوم الثاني والثالث من يوم الحفل. نقل الأب الفيروس لبعض كبار السن والعاملين خلال عمله في الأيام القليلة اللاحقة في دار رعاية المسنين التي يعمل بها وتبعد 100 ميلاً عن المدينة. بعد ذلك تواصلت الإصابات في الازدياد، ففي يوم 11 - سبتمبر، تم تأكيد إصابة 24 من مجموع 44 مسن «6 ماتوا، و3 نقلوا للمستشفى»، وأيضاً إصابة 14 شخص من العاملين في الدار الذي يبلغ عددهم 76.

ومدعوٌ آخر، ظهرت عليه أعراض المرض بعد 7 أيام «14 - أغسطس». في اليوم الذي يليه، باشر عمله لمدة خمسة أيام متواصلة في إحدى الإصلاحيات للسجناء «Correctional facility» والتي تبعد 200 ميلاً من المدينة. بعد تأكيد إصابة هذا الشخص بعدة أيام، كان قد نقل الفيروس لبعض العاملين معه، ومنهم إلى السجناء. فكان مجموع من أُصيب في هذه الإصلاحية/السجن إلى حين إعداد هذا التقرير 82 من العاملين والمسجونين، دون حدوث وفيات.

إلى يوم 14 - سبتمبر، وبعد احتواء تفشي الوباء في هذه الأماكن، بلغ مجموع المصابين 177 «30 ممن حضر حفل الزواج، 27 داخل المدينة، 38 في دار رعاية المسنين، 82 في السجن». من هؤلاء 177، توفي سبعة أشخاص «أكبر من 60 سنة»، وتطلب نقل سبعةٌ آخرون للمستشفى «الشكل أدناه». لم يحضر أي من هؤلاء 14 الزواج مطلقاً. انتهى التقرير.

رَصَدَتْ مؤخراً الدراسات المختصة بهذا الفيروس، استمرار حدوث مضاعفات لدى من أُصيب بهذا الفيروس وتعافى منه، مثل فقدان حاسة الشم أو التذوق، مشاكل تنفسية، تسارع في ضربات القلب، الإحساس بالتعب، آلام في المفاصل والعضلات، ومشاكل في الذاكرة والتركيز. تذكر تلك الدراسات أن هذه المضاعفات قد تستمر من أربعة أسابيع لحوالي ستة أشهر أو أكثر. والملفت للنظر أن تلك المضاعفات ظهرت في نسبة ليست بالقليلة على الأشخاص الأصحاء الذين ليس لديهم تاريخ مرضي قبل الإصابة.

تم تجربة طرق علاجية كثيرة في الأشهر الماضية وما زالت، لكن الدراسات الطبية المعتمدة لم تثبت نجاعة أي منها بشكل ملحوظ ومعتمد حتى يومنا هذا. لذلك لتقليل انتشار هذا الفيروس، ولحين اكتشاف دواء فعَّال أو لقاح ناجح، يبقى تطبيق التدابير الوقائية «الابتعاد عن التجمعات بكل أشكالها قدر الإمكان، التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات» أفضل علاج لتفادي الإصابة بهذا الفيروس وللحد من انتشاره، وأن المكابرة مع هذا الفيروس ليست في صالح أحد.

 

 

Mahale P. Multiple COVID-19 Outbreaks Linked to a Wedding Reception in Rural Maine—August 7-September 14,2020. MMWR. Morbidity and Mortality Weekly Report. 2020;69. https://www.cdc.gov/mmwr/volumes/69/wr/pdfs/mm6945a5-H.pdf
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أم الساده
[ سيهات ]: 19 / 11 / 2020م - 10:55 م
بحثت عن كرة الثلج فلم أجدها... قصة حصلت في الغرب وتحدث أطنان منها في الشرق... والتباعد أصبح تقارب والإحترازات باتت إستهانات..........