عندما أطعمتُ البحرَ الذكريات
تسلل إلى أذنها صوت هاتفها ليخبرها بوصول رسالة.. وضعت الصحن الذي كانت تغسله جانباً، ألقتْ نظرة للهاتف، رسالة من رقم غير مسجل، فتحتها، شاهدت صورة كتب تحتها:
كيف سأمنعك من الجلوس في حقيبتي بجوار قنينة عطر أدمنته منذ أن جاءني هدية في علبة مكتوب عليها ”كل عام وأنت الحب“؟
حاولت تركك في المطار لم فلم أستطع.. رأيتك تسبقينني في ركوب الطائرة.
اليوم تجلسين بجانبي في سيارة الأجرة.. وفيروز تغني ”بحبك يا لبنان“.
حاولت تركك في سيارة الأجرة فلم أفلح.. مشيتُ نحو المقهى هارباً منك إلى لعبة التخمين..
الطاولة فارغة أم محجوزة؟
يجلس عليها شاب أم كهل؟
من يجلس هناك هل يجلس وحيداً أم معه أحد؟
الجالسان صديقان أم حبيبان؟
هل سأنتظر كثيراً حتى يغادران المقهى؟
إن كانا صديقين فعن ماذا سيتحدثان؟
في السياسة أم الفن أم الهجرة؟
إن كانا حبيبين فهل سأكتفي برمي أذني هناك أم سأحتاج لعينيّ لكي لا تفوتني ”همسات المجبين وحركاتهم“؟
هل سيتلفتان كسارقين أم سيوقعان الرسائل بثقة؟
هل سيقبلها همساً أم سيشغل الجالسين بفرقعة القبل؟
هل سيقبل يدها وهو يقول لها: ”اقسم أنني أحبك“ أم سيكتفي بلغة العيون؟
هل هما حبيبان جديدان يترك احدهما يده في يد الآخر؟
أم سيتبادلان الحديث فقط ويشربان القهوة لقضاء وقت استراحة ليعودا إلى المشي في دروب الحياة؟
هل سيمسك بيدها وهما يغادران أم سيمشي أمامها؟
هل سيفتح لها الباب أم سيترك ذلك للعامل؟
وصلت للمقهى.. فتح العامل الجديد الباب.. رحب بي.. سألني: منفرد أم معك أحد؟
ابتسمت وفي سري أقول: هل ستلعب معي لعبة التخمين؟
ثم أجبته: لوحدي لكنني سأجلس على تلك الطاولة التي تلتصق بالنافذة عند سبورة الذكريات، وأشرت إلى طاولة يبدو أنها للتو قد فرغت.. للاسف تأخرت قليلاً.. لم أشاهد من كان يجلس هنا.. هل كانا رجلان أم رجل وامرأة؟
تركت اللعبة عند الباب ووقفت بجوار الطاولة أنتظر العامل أن يرفع الفناجين والأكواب.. جلست في مكاني المعتاد.. وقبل أن أنظر إلى الحائط وأقرأ ما كتبته هنا.. أخرجت جوالي وجهزت الكاميرا لكي أوثق الذكرى لعلي أريكِ ما خطته يدي أيام الشباب:
«ذكرى شراء ديوان محمود درويش ”لماذا تركت الحصان وحيداً؟“ 25 مايو 1996»
تمضي الأيام يا سيدتي وتبقى الذكريات لعبة الأيام التي لا تنتهي.
اقفلت الرسالة، وأغمضت عينها، وهمست نعم: الذكريات لعبة الأيام التي لا تنتهي.
ثم فتحت الرسالة وكتبت: لقد ضاع الكتاب مع كتب أخرى ورسائل وذكريات، تركتها في دولابي لعلي أعود لها لكنني ضعتُ وضاع كل شيء.
ثم ضغطت على زر المسح وحذفت الرسالة.