آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

حسن صالح آل ثاني «ابو فتحي» في ذمة الله

زكي أبو السعود *

قرأت صباح هذا اليوم خبر وفاة المرحوم حسن بن صالح آل ثاني «ابو فتحي». لم اكن اعلم انه كان بالمستشفى منذ ما يقارب الشهر بسبب مشاكله الصحية في الكلى، التي رافقته منذ عدة سنوات وابقته في المنزل معظم الوقت.

لقد اجبرت الكورونا الناس على البقاء في منازلهم وعطلت كثيراً من لقاءاتهم خارج منازلهم، إلا ان المرحوم ابو فتحي لم يكن من الناس الذين تلتقي بهم بكثرة في الاماكن العامة، ونادراً ما تصادفه في مناسبات لا تخصه، أو تخص اسرته. ولكن في هذه الظروف لا يمكن معرفة ما اذا كان هذا الشخص غائباً عن الانظار بسبب الكورونا، أم لسبب آخر.!!

حينما كنا جميعاً نسكن في حي القلعة، كانت رؤية الناس لبعضها البعض تتكرر باستمرار، وكانت اخبار الجيران تأتيك طازجة أول بأول، دون حاجة لشبكات التواصل الاجتماعي كي تزف لك الاخبار غثها وسمينها ورثها وثمينها المحزن والمفرح منها.

لم تعد ”القلعة“ موجودة كحي حاضن، وتفرق سكانها في الاحياء الجديدة، فقلت تلك اللقاءات العفوية التي كانت تتيح للجار ان يقابل جاره كذا مرة كلما خطت رجليه من بعد عتبات منزله.

كنت صبياً بينما كان ابو فتحي شاباً. وكان الناس ينادونه ب ”حساني“. لست على علم بمن اطلق عليه هذا اللقب الجميل، ولماذا؟. ولكن اتصور ان وراء ذلك تقبع شخصية المرحوم. ربما لوجهه الباسم طوال الوقت، وصوته الهادئ ورقته في تعامله مع الآخرين، كل ذلك جعلت الناس تناديه بهذا اللقب تحبباً فيه واستحساناً لطباعه وسلوكه.

لم تتح للصبي حسن أن ينال حقه من التعليم، ولصعوبة الظروف المعاشية في تلك السنين الماضية، ولما كان يتمتع به الشاب حسن من بنية جسمية قوية عمل عتالاً «حمالي» في تلك السنين حيث كانت السيارات حصراً على الاثرياء، وايصال المؤنة للبيوت «في احياء طرقها لا يتجاوز عرضها المترين»، غير ممكن الا اكتاف الرجال الاقوياء الذين كانوا يحظون بثقة الناس كافة لأمانتهم، وعفت أيديهم. فكان رب الأسرة الميسورة يشتري لوازم منزله ويبعث بها مع احد الحمالين الذين كانوا ايضاً على معرفة ببيوت الحي دون مساعدة من ”جوجول“. وكان حسن بن صالح من خيرة هؤلاء الرجال المكافحين.

كان المرحوم حسن مختلفاً عن بقية زملاءه في المهنة، فقد كانت في اعماقه محبة للمعرفة. المعرفة التي لا تأتي الا بالقراءة. فألزم نفسه بالتعلم في المدراس المسائية، مما أهلته لأن يكون قادراً على التواصل مع محيطه الخارجي عبر القراءة.

ربما زرع هذا الشغف فيه جاره في حي القلعة المرحوم موسى «الشيخ» آل حسان، الذي ربطتهما في فترة ما صداقة بحكم الجيرة القريبة، وبحكم ان المرحوم موسى كان من المؤمنين بحق الجميع في التعلم المدرسي، فزرع في نفس المرحوم أبو فتحي روح التحدي في مواجهة كل الصعاب التي تعيقه من حصوله على حقه في التعليم.

مضت السنين، وكنت في منتصف الثمانيات أعمل في فرع البنك السعودي البريطاني بالدمام مديراً للعمليات، وكان الفرع في حاجة لحراس، فجاءت الفرصة لمساعدة ابو فتحي في نيل تلك الوظيفة، خاصة انه مقارنة مع من تقدم لها، كان يمتلك شهادة المرحلة المتوسطة، فأعطته ميزة تفضيلية على المتقدمين الآخرين، ذلك ان تلك الوظيفة حينذاك لم تتطلب ان يكون شاغلها يملك شهادة مدرسية. عمل ابو فتحي معنا حارساً، ولم تكن تلك الوظيفة تسمى آنذاك ”رجل أمن“ كما اليوم، وظل يعمل فيها سنوات حتى جاء القرار بتكليف مهمة حراسة مباني البنوك لشركات أمنية، فتمكن أبو فتحي بحكم ما يملك من تعليم من الالتحاق بقسم النقد، وظل يعمل في قسم النقد المركزي بالادارة الاقليمية، حتى جاء ذلك اليوم الذي احيل فيه للتقاعد.

لقد اكمل ابو فتحي تعليمه الثانوي في المدارس المسائية، فأوفى لنفسه هذه الأمنية محققاً حلمه بأن لا يكون امياً.

كان ابو فتحي يعتمد على حافلات شركة ”النقل الجماعي“ في تنقلاته من منزله الى مقر عمله، وكان ذلك يقتضي منه مغادرة منزله ساعات قبل بدء الدوام، ورغم ما يسبب له ذلك من ارهاق الا ان عفته وعزة نفسه لم تجعله يطلب من زملاءه ممن يملكون سيارات ان يكلفوا انفسهم ويصطحبونه معهم، فكانت الجريدة رفيقته التي لا تفارق يده في خلال تنقلاته ورحلته اليومية من منزله في حي ”الدخل المحدود“ لمبنى البنك في الدمام أو لاحقاً في الخبر، تماماً كما يفعل المثقفون ورجال العلم في معظم البلدان التي يتنقل فيها الناس بالمواصلات العامة.

خلال سنوات عمله في البنك لم اسمع يوماً انه ضايق أو تسبب في ازعاج احداً من زملاءه مهما كانت مناصبهم، لم يكن صوته يعلو على احد، وكانت الابتسامة الهادئة لا تفارق محياه ابداً، وهذا ما اكسبه مودة واحترام الجميع دون استثناء. لم يعد الناس تخاطبه ب ”حساني“، ولكنه ظل هذا اللقب محفوراً في ذاكرة كل من عرفه يوماً بهذا اللقب الجميل.

رحمك الله يا ابو فتحي، وانزل على روحك السكينة والطمأنينة، وجعل الجنة مثواك، ولإسرته واقاربه وارحامه وذويه خالص العزاء. وإنا لله وإنا اليه راجعون.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو علي
[ القطيف ]: 11 / 11 / 2020م - 2:38 ص
شكرا للكاتب.... الحاج الطيب حسن آل ثاني كان من الطيبة بشكل مثالي ورائع وبشكل حتى لا يعرفها حتى أقرب الناس إليه... الفاتحة لروحه الطيبة

شكرا للكاتب المحترم الأستاذ زكي أبو السعود
وشكرا لصحيفة جهينة المحترمة
بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…