مشكلة العقل والجسد
بقلم جوناثان بيرشو أستاذ مشارك في قسم الفلسفة في كلية لندن للاقتصاد ومؤلف كتاب فلسفة التطور الإجتماعي
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
قدم له وراجعه البرفسور علي العلي
المقالة رقم 354 لسنة 2020
The mind-body problem
By Jonathan Birch
Dr Jonathan Birch is an Associate Professor of Philosophy at the LSE and Principal Investigator «
مقدمة البرفسور علي العلي
لعل الحديث عن مدخل للوعي يستلزم الوقوف عند مفهوم ولَّد بحثاً منهجياً وعمقاً معرفياً فرض الواقع المنهجي على أي رأي بوضوح تام طالما كان مورد جدل قديم متجدد وجديد متقادم حتى على مستوى المفهوم!!
فكيف لنا ان نربط العقل بالجسد؟!
وليس الامر بذاتية احدهما او كلاهما انما بالمؤثرات المتبادلة وهذا ما يوصف به الطب اليوناني القديم بأنه عقلاني وأخلاقي ومبني على الملاحظة والتعلم والخبرة الواعية
. Ancient Greek Medicine is described as rational، ethical and based upon observation، conscious learning and experience.
هذا الموضوع بحد ذاته مدعاة للأخذ والرد حتى عرف علمياً ب:
لغز mystery الخبرة الواعية conscious experience، ولا اخفيكم انه كان معرض تداول بيني وبين مترجم النص حول ترجمة هذه الكلمات بحسب سياق النص،
نعم تُعدّ الخبرة الواعية conscious experience أو الخبرات الواعية والتجارب ذات المحتوى الواعي كتقريب هي المحور في البحث المادي والميتافيزيقي في آن واحد، كذلك الفلسفي بعمق الفلسفة وتشجيرها القديم، فهي أم العلوم وصولاً لإستقلالية العلوم عن الفلسفة وتبني علم الطب في حقل علم الأعصاب مثل هذه المهمة، ولتعود المنهجية ذات القواعد التجريبية للبرهنة لكن هل تسعى لبرهان عقلي لتكتمل الحلقة إذ يبقى البرهان العقلي بحاجة لمن يمرر الوعي بصورته التي يتصورها الجميع مادية كانت او تجريبية.
والعلوم ليست جزرًا متناثرةً إنما هي ارخبيل يشكل بيئه متبادلة ومتكاملة وكل له منهجه ونمطه واسلوبه في البرهنة، لكن من الضروري ان لانجد تعارضًا، فالتعارض يكون مدعاة لوجود خلل ما في مسير أي منها.
ان بحوث الوعي تراها كباحث منذ سنوات تطوف ولَم تستقر عند دراسة الدماغ والعقل، فكيف للعلم الذي يدعو ويرتكز على الموضوعية ان لا يبرهن علمياً علي ذلك؟
فهل فرضت الذاتية subjectivity هذا الشبح المخيم على فهم الوعي؟
لذا كانت مساهمة «الحركة السلوكية في علم النفس التي سادت في بواكير هذا القرن على السلوك الخارجي، ولم تسمح بأي حديث عن السيرورات العقلية الباطنة. وبعدها أدى ظهور علم المعرفة «الاستعراف» cognitive science إلى تركيز الانتباه على السيرورات التي تجري داخل الرأس. أما الوعي فقد بقي ومازال خارج إطار التناول. «1»
ليس لنا الا أن نقف على دلالات الوعي Consciousness ولعل الوعي والذي كان عنواناً لكتاب سوزان جين بلاكمور Susan Jane Blackmore والتي لها رأي ينسب لها اعلامياً: ”عندما أقول إن الوعي هو وهمٌ، لا أقصد أنه لا وجود للوعي. بل أقصد أن الوعي ليس هو ما يبدو. إذا كان يبدو وجود تيار مستمر من التجارب الغنية والمفصلة، تحدث واحدة تلو الأخرى لشخصٍ واعٍ، فهذا هو الوهم“ «2» في سياق النقد تدفق الوعي «السايكلوجيا» Stream of consciousness «psychology»
لكن هناكً اراء بعض علماء النفس تضع الوعي ببعد الادراك العقلي والتي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، ك
· الذاتية «الإحساس بالذات» «subjectivity»،
· والإدراك الذاتي «self-awareness»،
· والحالة الشعورية «sense»،
· والحكمة أو العقلانية «sensibility»،
· والقدرة على الإدراك الحسي «perception»
للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له. ولكن هل هناك ادراك أعمق للتميز كما يرى هيغل Hegel أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي يعي ذاته، وبلا شكً له اطلاع على ايمانويل كانط Immanuel Kant في كتابه 0الأنثربولوجيا من وجهة نظر براغماتية"“Anthropology from a Pragmatic Point of View
إن الشيء الوحيد الذي يرفع الإنسان بلا حدود فوق كل المخلوقات الأخرى التي تعيش على الأرض هو قدرته على أن يمتلك فكرة عن ذاته، عن الأنا. من هنا يصبح شخصا؛
However، reason is man's most essential attribute because it is the means by which a truly distinctive dimension is made possible for him. Reason، that is، reflective awareness، makes it possible to distinguish between good and bad، and thus morality can be made the ruling purpose of life «3»
لكن الكتاب ىبقى لايمثل عمق ايمانويل كانط Immanuel Kant لظروف محددة ليس هناك متسع لذكرها.
إن جوهر الوعي وعلاقته بالمادة او النقل بالوجود المادي ليس معتركاً بحثيًا ومختلفًا منهجيًا وليد اليوم كما يتصور البعض انما هو ساحة نزال معرفي بين مدرستين في الفلسفة كل يبرهن وبمنهج القضايا والمفاهيم باتجاه المادي والاخر مثالي، خلافًا لمن يتصور ان الفلسفة تعيش دوماً المثالية كمنهج وبرهان، إن ساحة المعترك الاستدلالية منهجية ونتائجها معرفية لبيان عمق الوعي ودلالاته، لقد تفتق من افقها هذا التساؤل.
الوعي نتاج ماذا!؟
هل هو نتاج العقل الإنساني؟
ام نتاج شيء خارج عن العقل الانساني؟
وهل هذا الخارج هو فوق المادة كالروح؟
امً من ضمن العوامل الخارجة عن الطبيعة؟
وهل هي في حقل الامور الداخلة في إطار الزمان والمكان أم خارج عنهما؟!
المثالية Idealism: بشكل عام تجاوزت ذلك فجعلت من الوعي امرآ مستقلاً وابتعدت به عن مماحكات المادة والمادية.
المادية Materialism: ربطته بالمادة لكنها في أفقها العام جعلته أرقى نتاجًا للمادة والعاكس الأرقى للمادية وحقيقتها فهو صفة منها ولها.
تناولها سقراط عبر محاورات «أفلاطون» و» فيدون» انطلاقا من ان الطبيعة الإنسانية تتكون من الجسد والنفس فكل له وجوده الخاص يؤثر ويتأثر لكن افلاطون الذي عمق الأمر بإتجاه مثله الافلاطونية The theory of Forms or theory of Ideas، وأرسى كل نشاط نفسي للروح الخالدة اللامادية وماغيره حالة طارئة
أما ارسطو فالجسد له دور في الإحساس لكن يبقى مصدر التفكير للروح وهي أي الروح مفكرة مستقلة عن الجسد. هذه الإسقاطات على أصول فلسفتهم تبدأ من الجسد.
أما المادية Materialism آنذاك برهنت على أن العمليات الذهنية تعود للجسد ورائدها ديمقراطس Democritus من أوائل من نادى بأن الإحساس والتفكير ماهو الا حركات لذرات روحية مادية ومركز الفكر هو العقل البشري.
هذا الحضور المادي لا يعني غياب غيره، فبوذا يدعو لوعي اللاّ ”عالم آخر“ واللاّ ”عالم دنيوي“ هي روحانية يقظة، فترى وتسمع بقدر ما تكون واعياً، وإنه بقدر ما تكون مُدركاً للحقيقة، بقدر ما تكون منسجماً مع نفسك وتصبح أكثر وعياً.
الوعي بصيغته البوذية يمنحك الوجود، واللاّوعي يمحوه ويزيله، فالفلسفة البوذية هي الدعوة لإدراك الوعي، فبالوعي تولد من جديد... ”تولد نقياً طاهراً، تولد من دون“ الأنا ”، متجاوزًا ال“ Nirvana النيرڤانا"
ولازالت عقدة الجسد مع الوعي لكن يمكن التحكم بها لمّا ندرك ذلك؟ وتصل إلى وعي فيه يبقى تساؤل للسلوك لا الذات وصولاً الي الفلسفة التاوية، هذه الفلسفة تعالج علاقة الإنسان بالوجود والحياة، عبر التناغم الكلّي داخل الانسان وخارجه حتى الغاية وهي مرحلة ”التاو“ وكأنها صوفية. وحده الوجود والموجود ولا يغفل فلاسفة الهند المغلوب عليهم
لكن يبقى التساؤل كيف ذلك؟
وكيف وعى الجسد ذاته؟
وكيف وعى الانسان ذاته وعقله وتصرف بمدركاته؟
فال ”كيف“ هي التي عمقت.
وال ”الأين“ هي التي أفرزت.
وال ”لم“ هي التي رفعت التردد.
وال ”متى“ حددت.
ويبقى من هو المبرهن والمعتمد عليه.
هل الحقيقة العقلية؟
ام الحقيقة التجريبية؟
ام كلتاهما قابل للنقض ولو بعد حين؟
نعم، يمكن الإقرار بحقيقة ما قبل التحقق التجريبي عن طريق العقل، لكن الحقيقة لا يمكن التأكد منها إلا بعد إقامة التجربة أي الحقيقة البعدية وكذلك العكس، ان ذكرت حقيقة عقلية قد تعيش في اجواء «ليبنز Gottfried Leibniz»، وان ملت للحقيقة الواقعية «مادية» قد تنسجم مع «دفيد هيوم David Hume». وان رسمت توفيقاً او ترددت بينهما فلك عند «كانط Imanuel Kant» موقع للتركيب بينهما،
فالبرهنة العقلية لا تسعف وحدها لإثبات كل حقيقة عند فريق فهي عقلية خالصة هذا أن خلصت، والتحقق منها عبر التجربة قد يتعذر او تتغير الظروف فالعقل ليس مستقلًاً عن صيرورة بناء المعرفة، والمعرفة ليست مستقله عنه، نعم تتحرر نوعاً ما في مجال المنطق والرياضيات. لكن الحقائق الواقعية «المادية» لا يمكن التحقق من صحتها بإعتماد البرهنة العقلية وهي تستند على التجربة،، فهل من سبيل عقلي للتحقق منها؟ فالحقائق العقلية وحدها قابلة للبرهنة والحقائق التجريبية قابلة للتجربة.
والتساؤل! هل تعي معي أن الوعي من أي صنف؟ وتحت أي غطاء ومنهج؟ وهل هناكً هامش للطرفين ولثالثهم ان وجد؟
وهل من يجيب على تساؤل بريء يحمل وعياً يتبرأ منه؟
فاذا كانت كل حقيقة تستدعي شرط البرهنة عليها. أوليس هناك حقيقة قابلة للبرهنة.؟ وقد تتغير أو تنفى أو تثبت براهينها؟؟؟ فالوعي يشكل وحدة الذات ووحدة الموضوع.
ختاماً، إننا، وبوضوح، نعيش أجواء لغز mystery الخبرة الواعية conscious experience
لكننا، في نظري، لازلنا نحن جميعاً كبشر بوعي فردي او بوعي جماعي كنّا ولازلنا وسنكون أجزاءً صغيرة من لغز عظيم فحسب
just small pieces of a massive puzzle.
وسيبقى الوعي هو الجدل القديم المتجدد والجديد المتقادم حتى مفهوماً وادراكا.
الموضوع المترجم
ماهو على المحك فعلًا في الحوار في مسألة العقل والجسد؟ جوناثان بيرش Birch نظر في بعض الاختلافات التفسيرية في مقارباتنا لميتافيزيقيا الوعي.
رسمياً، مشكلة العقل والجسد هي كل شيء عن العلاقة الميتافيزيقية بين التجربة الواعية conscious experiences ونشاط الدماغ. ولكنها أيضا تصادم بين ثلاثة مشاريع تفسيرية مختلفة جداً. النظريات المتعارضة عن علاقة العقل والجسد غالباً ما يصعب معرفة الفرق بينها، وأحيانا تنطمس، للأسف الشديد، في بعضها البعض. ومع ذلك الاختلافات بين مشاريعها المقترنة التفسيرية صارخة. أنا أميل إلى الإعتقاد أن ما هو بالفعل على المحك في مسألة السجال ليس كثيراً من هو على حق «لأن الفصل في ذلك سابق لأوانه»، ولكن مَنْ مشروعه التفسيري هو الأكثر جدارةً بالمتابعة.
مشروع أنصار المادية
لنبدأ مع المادية. هناك العديد من العلاقات المختلفة بين الشعور الواعي والدماغ المقبولة لدى أنصار المادية materialist، مما يؤدي إلى أنواع من المادية متعددة ومختلفة قليلاً. على سبيل المثال، التجربة الواعية conscious experiences ربما هي مماثلة إلى الأحداث الفيزيائية «المادية» في الدماغ، أو ربما هي متشكلة أو مدركة من قبل أحداث فيزيائية في الدماغ أو متأصلة فيها.
عندما نؤسس أشياء مثل هذه، سرعان ما نبدأ في القلق بشأن ما تعنيه المادية بالضبط. ما هي الأحداث الفيزيائية؟ المحاولة الأولى: هي أحداث يمكن وصفها بشكل كامل من حيث الخصائص والكيانات والصيرورات والقوانين التي هي جزء من العلوم الطبيعية، بما في ذلك الكيمياء والبيولوجيا وكذلك الفيزياء. إنها أحداث تتضمن أشياء كالخلايا العصبية، والناقلات العصبية، وإمكانات الفعل، ولكنها ليست جزءًا من ”أشياء عقلية“ غامضة أو ”قوة عقلية“.
بالطبع، العلوم الطبيعية هي هدف متحرك - فهي تتغير بمرور الوقت. علوم اليوم ليست هي علوم اليونان القديمة أو أوروبا الحديثة الأولى، عندما كان لا يزال هناك أنصار مادية معروفون. قد تبدو فيزياء المائة عام من الآن مختلفة تمامًا عن فيزياء اليوم. من المغري، في ضوء ذلك، تعريف المادية من منظور العلوم الطبيعية المستقبلية الكاملة، والقول بإن ”الأحداث الفيزيائية“ هي أحداث ستميزها علوم المستقبل بشكل كامل.
لكن يبدو الآن أننا نفقد قبضتنا على المادية. ماذا لو اشتمل العلم الطبيعي المستقبلي الكامل على أشياء عقلية أو قوى عقلية؟ لا يمكنك ترك هذا الخيار مفتوحًا وتبقى تطلق على نفسك أنك من أنصار المادية. نحن بحاجة إلى استبعاد بعض المسارات المستقبلية المحتملة للعلوم باعتبارها غير متوافقة مع المادية.
من الخيارات الشائعة هنا أن نقول إن ”الأحداث الفيزيائية“ هي تلك الأحداث التي تتميز بشكل كامل بالعلوم الطبيعية الكاملة ومستمرة على نطاق واسع مع الفيزياء المعاصرة. بعبارة أخرى، العلوم المستقبلية التي لا تزال تؤيد ما يشبه ”النموذج المألوف“ للفيزياء المعاصرة، بقدر ما تستمر في افتراض مجموعة صغيرة نسبيًا من الجسيمات الأساسية والقوى الأساسية، مع عدم وجود مكان في أي مكان للعقل أو للقوى العقلية.. يمنحنا هذا بعض السيطرة على ما تعنيه المادية، لكن هذه السيطرة فضفاضة أكثر مما قد نرغب فيه بشكل مثالي.
أعتقد أن ما هو أسهل بكثير للسيطرة عليه هو المشروع التفسيري المادي. هذا المشروع هو لتفسير كل ما يحتاج حقًا إلى تفسير عن الشعور الواعي باستخدام الموارد التي توفرها العلوم فقط.
بالنسبة لأنصار المادية، ما الذي يحتاج بالفعل إلى تفسير؟ نحتاج إلى تحديد وشرح الآليات التي ينطوي عليها الشعور الواعي «كالانتباه والذاكرة العاملة» وتفسير كيف تختلف هذه الآليات عن تلك المعنية بالمعالجة اللاواعية. نحتاج أيضًا إلى تفسير الطريقة التي نفكر بها ونتحدث عن مشاعرنا، ومدى تعرضنا للتضليل من خلال التجارب الفكرية «كتجربة ”الزومبي“ الفكرية «4,5» أو حجة المعرفة وتسمى صندوق ”ماري“، معلومات عنها في 6» التي تجعلنا نعتقد أن الشعور الواعي شيء غير مادي عندما لا يكون كذلك.
يهدف مشروع أنصار المادية materialist إلى شرح كل هذا دون طرح أي شيء غامض «مثل الأشياء الذهنية أو قوى العقل أو الخصائص غير الفيزيائية» يتجاوز ما يفترضه العلم بالفعل. يحتاج أنصار المادية إلى الاعتماد على موارد من علم النفس والعلوم المعرفية، وهناك عمل أيضًا لعلم الأحياء التطوري: عمل تفسير كيف تطورنا لنكون كائنات تفكر في نشاط دماغها بالطريقة الغريبة التي نقوم بها.
يعتبر كتاب ”الوعي مُفسَرًا لدانيال دينيت Daniel Dennett“ الصادر في 1991 «معلومات عنه في 7» نقطة انطلاق رائعة لمشروع أنصار المادية materialist تابع دينيت كلاً من المشروع النفسي والتطوري بحماس. المغزى الضمني في كل صفحة هو ”وهذا كل ما يحتاج بالفعل إلى توضيح!“. لا توجد بقايا أخرى للكيفيات المحسوسة «للتعريف. راجع 8» غير المادية أو قوى العقل أو الأشياء الذهنية التي تتطلب تفسيرًا إضافيًا خاصًا لنوع لا يستطيع علم النفس والعلوم المعرفية والبيولوجيا التطورية توفيره.
ذلك هو السبب لماذا القراء الذين لديهم تعاطف ثنائي يعتقدون أن الكتاب يفتقد إلى الهدف. يقولون إنه يقلل من أهمية explaining away الوعي وليس تفسيره. لكن بالنسبة لأنصار المادية، فالكتاب يشرح ما يحتاج إلى الشرح فعليًا.
مشروع أنصار التفاعلية «9»
يقول الشخص الثنوي [من يؤمن بمذهب الثنوية / مذهب العقل والجسد] إن الخبرات الواعية ليست متطابقة مع الأحداث المادية في الدماغ، أو مكونة منها، أو متأصلة فيها. ولكن نظرًا لأن اعتماد الخبرة الواعية على الأحداث في الدماغ واضح «كما هو ثابت من الأدوية المخدرة وإصابات الدماغ، على سبيل المثال»، هذه الأحداث ستردف عادةً القول أن الخبرات الواعية لها علاقة بنشاط الدماغ من خلال قوانين نفسية فيزيائية psychophysical. هذا الالتزام بقوانين إضافية خاصة تضيف شيئًا إلى المخزون الأساسي للقوانين الأساسية التي تطرحها الفيزياء هي سمة أساسية للثنائية [ثنائية الروح والحسد، معلومات عنها في 10].
هناك طرق مختلفة لتكون شخصًا ثنائيًا dualist [يؤمن بالروح والحسد]، تمامًا كما توجد طرق مختلفة لتكون ماديًا. يمكنك أن تكون مناصرًا للظاهراتية المصاحبة epiphenomenalism «معلومات عنها في 11» التي تعتقد أن «لاستخدام استعارة هوكسلي T.H Huxley» الشعور الواعي هو ذيل البخار الخلفي للقطار البخاري، الناتج عن نشاط الدماغ ولكنه لا يفعل شيئًا على الإطلاق للتأثير فيه. أو يمكنك أن تكون من أنصار التفاعلية «راجع 9 للتعريف» الذي يعتقد أن الخبرات الواعية، في حين أنها متميزة عن الأحداث المادية، تتحكم في الدماغ، بطريقة أو بأخرى محفزة للنشاط العصبي بطريقة أو بأخرى. على الرغم من أن الظاهراتية المصاحبة هي وجهة نظر مهمة، إلا أنني سأركز على التفاعلية interactionism هنا «معلومات عنها في 9».
بالنسبة لأنصار التفاعلية interactionist، يجب إضافة بعض القوة السببية «العلية» إلى قائمة القوى الأساسية التي تطرحها الفيزياء. تقول الفيزياء: هناك الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة والقوية، وهذا كل شيء. بينما أنصار التفاعلية يقولون: يجب، بالإضافة إلى ذلك، أن يكون هناك نقطة دخول على المستوى الحقيقة الأساسي للسببية «للعلية» العقلية.
أنصار التفاعلية لديهم مشروعهم التفسيري الخاص، وهو مختلف تمامًا عن مشروع أنصار المادية.
تتمثل مهمة أنصار التفاعلية في إيجاد نقطة الدخول المتملصة تلك، وهي النقطة التي تنزلق عندها السببية العقلية «راجع 12 للتعريف» داخل أعمال الدماغ. هذا مشروع غير عصري بالفعل، غير عصري جدًا، في الواقع، ذلك من الصعوبة بمكان أن نتخيل مشروع بهذا الشكل العام يتلقى تمويلًا من أي شخص. لكن علينا أن نسأل: هل يمكننا أن نستبعد تمامًا فكرة، بناءً على الأدلة الحالية، أن التفاعلية صحية؟
في أواخر القرن العشرين، جون إكليس Eccles الحائز على جائزة نوبل، وهو خبير في المشابك العصبونية «حيث تلتقي الخلايا العصبية معاً وترسل إشارات إلى بعضها البعض»، أصبح مقتنعًا بأنه يجب أن يكون هناك دور للسببية العقلية في كيف تعمل هذه المشابك. شرع في مهمة خاصة للعثور على نقطة الدخول هذه. في ورقة إبداعية رائعة «13»، وضع إكليس وفريدريك بيك Beck فرضية على أن النشاط في المشبك العصبوني يعتمد على النفق الكمومي quantum tunnelling، والسببية العقلية قادرة على تحفيز الاحتمالات الكمومية بطريقة أو بأخرى بزيادات طفيفة. هذه الفرضية الخاصة قد أُثبت خطؤها «14». لكنه يعطي نكهة للنوع العام من الفرضية القائلة بأن شخصًا جادًا بشأن التفاعلية يحتاج إلى طرحها واختبارها.
قد يميل البعض إلى القول: كيف يمكن أن تُنشر مثل هذه الورقة الغريبة wild paper? أملي هو أن أقول: لماذا لا يوجد مزيد من العمل كهذا؟ لا يمكننا القول أن التفاعلية قد اُستبعدت بشكل حاسم إذا كان بإمكاننا فقط الإشارة إلى مثال واحد لفرضية تفاعلية جادة تم تطويرها واختبارها. ما الضرر في تطوير واختبار المزيد من الفرضيات مثل هذه؟ ستبدو هذه الفرضيات دائمًا غريبة الأطوار، لكن ألا تستحق أحيانًا اختبار فرضيات غريبة أطوار؟
أصبحت التفاعلية Interactionism إلى حد ما كالإندماج البارد: فكرة تم رفضها باعتبارها غير معقولة، على أساس أنه لا يمكن لأحد حاليًا أن يتصور كيف يمكن أن تعمل. ”سيكون الأمر رائعًا لو كانت التفاعلية صحيحة، ولكن لماذا نهدر الموارد في محاولة العثور على شيء من الواضح أنه غير موجود؟“ ومع ذلك، من الصعب أن تكون واثقًا من عدم وجود شيء ما حتى تستثمر موارد جادة في محاولتك للعثور عليه، وهي النقطة التي أوضحها هاو برايس Huw Price فيما يتعلق بالإنصهار البارد.
مشروع أنصار الروحية الشاملة
هناك خيار ثالث. كان أحد أبرز التطورات في فلسفة العقل على مدار العشرين عامًا الماضية هو إحياء الروحية الشاملة panpsychism «انظر 15» كبديل للمادية والثنائية [ثنائية الروح والجسد].
كما هو الحال مع المادية والثنائية [ثمائية الروح والجسد]، ليس من السهل ذكر الروحية الشاملة «15» بوضوح. إنها ليست وجهة النظر القائلة بأن جميع عناصر الخبرة الواعية البشري يمكن العثور عليها داخل الجسيمات الأساسية. لا أحد يقترح أن الكواركات تتفكر بوعي أو تتأمل «”لقد سئمت من كوني معدن يورانيوم، أرغب في أن أكون معدن رصاص؟“». الفكرة هي أن أكثر العناصر المحيرة للخبرة الواعية - خاصيتها النوعية والذاتية - يمكن العثور عليها في شكل بسيط في بعض الجسيمات الأساسية على الأقل. ولكن ما يمكن اعتباره ”نموذجًا بسيطًا“ هو أمر مطروح للنقاش.
تزداد الصورة تعقيدًا بفعل الروحية الشاملة، وهو الرأي القائل بأنه على الرغم من عدم وجود العناصر الأساسية للخبرة الواعية في الجسيمات الأساسية، إلا أن هناك بعض السلائف المهمة لتلك الخصائص. قد يتساءل المرء «وقد تساءل العديد من المؤلفين» عما إذا كانت بعض الآراء المادية يمكن اعتبارها أيضًا وجهات نظر للروحية الشاملة. فسيصبح كل شيء ضبابيًا بعض الشيء.
أعتقد أنه من الأسهل فهم كيف يختلف مشروع أنصار الروحية الشاملة الأولية «البدائية» panprotopsychism التفسيري عن تلك الخاصة بأنصار المادية والتفاعلية. لا يهدف المشروع إلى التقليل من أهمية قابليتنا للتأثر بالحدس المعادي للمادية «عن زومبي، وصندوق ماري، إلخ»، لأن هذه الأفكار تعتبر صحيحة. كما أنه لا يوجد نقطة دخول للسببية العقلية في عالم مادي، لأن العالم المادي متخلل بالخبرة الواعية على المستوى الأساسي.
مشروع أنصار الروحية الشاملة هو شيء آخر: ما يحتاج إلى تفسير هو كيف تتحد أعداد كبيرة من ”المشاعر الدقيقة“ «أو ربما ”المشاعر الأولية الدقيقة“» في الجسيمات الأساسية لتشكل ”التجربة الكلية“ الفردية الموحدة لمخلوق واع. بعبارة أخرى، يحتاج أنصار الروحية الشاملة إلى حل ما يسمى بمشكلة التوليف combination.
قد تبدو فكرة الروحية الشاملة Panpsychism وكأنها فكرة من أحلك فترات الفلسفة النظرية speculative، لكن بعض الباحثين مهتمون بها أيضًا. أرى حاليًا ”نظرية المعلومات المتكاملة“ «IIT» المشهورة للوعي كمساهمة في مشروع الروحية الشاملة. تقترح النظرية أن معجزة التوليف wonder of combination تحدث في أنظمة متكاملة للغاية بمعنى معين، وهو شعور تلتقطه ”فاي phi“ سيئة السمعة [فاي تعني النظام يكون واعيًا إذا كان يمتلك خاصية تسمى Φ، أو phi، وهي مقياس ”للمعلومات المتكاملة“ للنظام. 16]. حتى الأنظمة البسيطة جدًا مثل الثنائيات الضوئية / الفوتودايودات photodiodes ومنظِمات الحرارة «الثرموستات» يقال أن لها درجة معينة من فاي phi، وبالتالي بعض الخبرات الواعية البسيطة لها فاي أيضًا. وجهة النظر هي روحية شاملة أولية «بدائية» panprotopsychist، لا روحية شاملة، لأن الأنظمة التي لا تنطوي على فاي يقال إنها لا تملك خبرات واعية على الإطلاق. لكن كل مادة لديها القدرة على تحقيق شعور واع إذا تم ترتيبها بطريقة متكاملة للغاية.
هذا هو السبب في أن نظرية المعلومات المتكاملة IIT يبدو وكأنها ”شاذة عن بقية“ النظريات العلمية الحالية للوعي. النظريات الأخرى، أنها أفضل ما يُنظر اليها، كما أعتقد، على أنها مساهمات في مشروع المادية. ولكن نظرية المعلومات المتكاملة IIT ليست كذلك.
مشروع الروحية العامة صدم العديد من الناس، على الأقل في البداية، على أنه سخيف وسيء التخطيط. يبدو أنه لم يترك وراءه فقط اهتمام أنصار المادية «الماديين» بالعلوم المعرفية cognitive «الإدراكية» وعلم النفس والتطور، ولكن أيضًا اهتمام أنصار التفاعلية بالفيزياء الحيوية، لصالح التكهنات غير المقيدة. إن السؤال عن كيف تُقيد التكهنات - كيف تجعلها متصلة اتصالًا جادُا بالأدلة الدامغة - هو سؤال حاسم لأيٍ من أنصار الروحية الشاملة. لكن يمكن لأحد أنصار الروحية الشاملة أن يجادل بأننا قد نضطر إلى زيادة تسامحنا مع المشاريع التي تبدو في البداية سخيفة وسيئة التخطيط، إذا كنا نأمل يومًا ما أن نفهم الوعي.
تأملات
لقد قلت في البداية أن ما هو على المحك بالفعل في المناقشات حول مشكلة العقل والجسم ليس كثيرًا بشأن من هو على حق «لأنه من السابق لأوانه معرفة ذلك»، ولكن مشروعه التسفيري جدير بالمتابعة. آمل أن يكون ما قصدته الآن أوكثر وضوحًا قليلاً.
إذا كنت تفكر في المادية واالثنائية [ثنائية العقل والجسد] والروحية الشاملة باعتبارها أطروحات ميتافيزيقية حرة، منفصلة عن الناس الحقيقيين ومشاريعهم، فليس من السهل التمييز بينها. تبدأ في التساؤل، على سبيل المثال، ماذا ياترى تعنيه كلمة ”المادية“ واقعًا وما إذا كانت الروحية الشاملة الأولية يمكن أن تكون شكلاً من أشكال المادية أم لا. من السهل أن تغضب من الجدل بأكمله.
لكن في الحقيقة، هذه الآراء مرتبطة بأشخاص حقيقيين ومشاريعهم، والمشاريع مختلفة بشكل لافت للنظر. يمكنك قضاء وقتك تحاول التقليل من أهمية الحدس المعادي للمادية، أو تبحث عن نقاط دخول للسببية العقلية، أو تحل مشكلة التوليف، لكن لا يمكنك «بسهولة» القيام بالأشياء الثلاثة في وقت واحد. بهذا المعنى، لا بد أن تختار.
ومع ذلك، فإنني أميل إلى القول إنه في الوقت الحالي، كل هذه المشاريع جديرة بالمتابعة. ولا يمكن متابعتها جميعًا من قبل نفس الأشخاص في نفس الوقت، ولكن من الجيد أن يتابعها جميعًا شخص واحد. يجب أن نترك مشروع أنصار المادية ومشروع أنصارالتفاعلية ومشروع أنصار الروحية الشاملة تعمل بالتوازي، وأن نقوم بتقييم شامل في غضون مائة عام أو نحو ذلك، ونرى أيهما حقق أكبر قدر من التقدم.