هزم ترامب.. لكن ماذا عن ”الترامبية“؟
على مدى أيام حبس الشعب الأمريكي والعالم أجمع أنفاسه وهو يراقب سير انتخابات الرئاسة الأمريكية، والمنافسة المحتدمة بين المرشح الجمهوري الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو يايدن، والتي انطلقت في 3 نوفمبر 2020 في بلد لا يزال يعد القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية «رغم التراجع الملحوظ» الأهم في العالم، وقد تم الإعلان مساء يوم السبت عبروكالات الأنباء والمحطات الإعلامية الأمريكية عن فوزالمرشح الديمقراطي جو بايدن بأغلبية تتراوح مابين 280 و290 صوت في المجمع الإنتخابي المكون من 538 صوت في حين يحتاج المرشح إلى 270 صوتا فقط للفوز، وعلى صعيد الأنتخاب الشعبي حقق بايدن رقما قياسيا «أكثر من 74 مليون ناخب» يعد الأكبر في تاريخ الإنتخابات الأمريكية وبنسبة 53 %.
وقد شهدت العاصمة واشنطن والعديد من المدن الأمريكية أحتفالات شعبية واسعة شارك فيها مختلف المكونات الإثنية والاجتماعي وخصوصا الشباب الأمريكي الذي شارك في الإنتخابات بقوة وكثافة لأول مرة على مدى عقود.
في المقابل رفض المرشح الجمهوري الرئيس ترامب الذي يعيش حالة إنكار القبول بالهزيمة، متوعدا برفع العديد من القضايا المتعلقه بمزاعمه حول وجود تزوير ومخالفات غير قانونية، ويقصد بالتحديد بطاقات الإنتخاب المرسلة عن طريق البريد والتي استخدمها أنصار الحزب الديمقراطي بكثافة في إطارمواجهة مخاطرتفشي فيروس كوفيد 19، وقدبلغ عدد الأمريكيين الذين أدلو بأصواتهم مبكرا حوالي 100 مليون شخص «معظمهم عن طريق صناديق البريد» والجدير بالذكرأن ترامب أفصح سابقا عن معارضته إستخدام البطاقات البريدية متهما الجانب الديمقراطي بنيتهم التلاعب والسرقة في عملية الإقتراع، غير أنه لم يقدم أية أدلة ملموسة وحقيقية على هذا الصعيد، وهو ما خلق نوعا من الصدع في الحزب الجمهوري الذي يسعى جاهدا إلى ترميم صورته ضمن النسق السياسي التقليدي السائد، وقد سارع أحد أقطابه السناتور في مجلس الشيوخ الحمهوري ميت رومني من ولاية يوتا بتهنئة بايدن بالفوز.
نستطيع القول بغض النظر عن تعقيدات المشهد السياسي الأمريكي الراهن وعمق التناقض والإنقسام في المجتمع والنظام السياسي، بأن صفحة ترامب قد طويت «ولو إلى حين».
لكن السؤال هنا ماذا عن مصير ظاهرة ”الترامبية“ أو الخطاب القومي الشعبوي سواء في داخل الولايات المتحدة الأمريكية أوفي الدول الغربية الأخرى، ونذكر هنا ان ترامب أستطاع الحصول على حوالي 71 مليون صوت وبنسبة 47% من عدد المقترعين وهو ما يعكس وجود قاعدة انتخابية «بيضاء» أمريكية صلبة تشكل أرضية اجتماعية وأيدلوجية خصبة لتغذية وديمومة يل وربما انتعاش هذا الخطاب القومي الشعبوي في المستقبل في ظل الأزمة البنيوية والمركبة والممتدة على الأصعدة كافة؟
خالف الفوز السهل والمدهش في الآن معا للملياردير الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة «2016» كل التوقعات خصوصا في ضوء استطلاعات الرأي العام، وموقف الإعلام والطبقة السياسية الأمريكية التقليدية بشقيها الجمهوري والديمقراطي المناوئة له، سواء في حملة الانتخابات التمهيدية على صعيد الحزب الجمهوري، أو في انتخابات الرئاسة في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
من خلال خطابه القومي الشعبوي المناهض للنخبة السياسية التقليدية والتركيز على معالجة الأزمة الاقتصادية/ الاجتماعية المزمنة، إلى جانب إثارة قضايا مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية استطاع ترامب استمالة قطاع واسع من البيض الأمريكيين.
وفي الواقع إن ما طرحه ترامب هو امتداد لما يعرف بحركة حزب الشاي التي تشكلت في المشهد السياسي الأمريكي عام 2009، وهو تيار شعبوي يميني متشدد في الحزب الجهوري استطاع أن يستفيد من أخطاء وتقاعس وعجز الرئيس باراك أباما، وخصوصا إزاء قضايا حساسة مثل سياسة تعديل وضع المهاجرين غير الشرعيين «12 مليون مهاجر» واستمرار تدهور الوضع الاقتصادي وذيوله المتمثل بالبطالة والفقر والفساد وتردي الخدمات، وما يعتبرونه ضعفا في السياسة الأمريكية في التعامل مع قضايا خارجية، مثل خطر الإرهاب واتفاقية المناخ والموقف من التحدي السياسي والاقتصادي الذي تمثله الصين.
وقد استطاع حزب الشاي أن يحقق فوزا كبيرا بسيطرته على مجلس النواب في انتخابات الكونغرس النصفية في عام 2010.
تصدر الخطاب القومي الشعبوي المتسم بالانعزال ومناهضة العولمة والهجرة الأجنبية، والمسكون بتضخيم الهوية القومية والثقافية، والمتشح بما يسمى «الفوبيا الإسلامية» وربطها بالإرهاب، أصبح حقيقة واقعة ليس في الولايات المتحدة فقط بل في غالبية الدول الأوربية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا الصعود القوي للخطاب الشعبوي في الغرب، وهل هي أزمة نظم رأسمالية أم أزمة مجتمعات؟
وفقا لتحليل نشر في مجلة «فورن أفيرز» الأمريكية بتاريخ 3/6/ 2016 أن الأحزاب اليسارية في الغرب انتقلت في التسعينات وما بعدها للتخلي عن الأيدلوجيا
ولتبني سياسات يمينية فيما يتعلق بالاقتصاد، توني بلير من حزب العمال البريطاني نموذجاً، وأن الأحزاب اليمينية التقليدية في الغرب انتقلت لتبني مواقف أقرب لمواقف اليسار الليبرالي في القضايا الثقافية «مثل التعددية الثقافية وما شابه»، وأن نخب اليمين واليسار التقليدييّن تقاربت إلى درجة لم يعد من الممكن معها التمييز بينها بوضوح، وأنها انخرطت في مساومات مع بعضها البعض في الأطر ما فوق القومية، مثل الاتحاد الأوروبي وغيره، لفرض سياسات ورؤى باتت النخب المحلية تشعر أنها همشتها… ومن هنا ردة الفعل ذات الطابع القومي ضد تلك النخب وضد المؤسسات التي تدير العالم عبرها.
الحركات القومية الشعبوية المعاصرة تختلف إلى حد ما عن الحركات القومية الشعبوية التي شهدتها أوربا منذ بداية الثلاثيات من القرن العشرين مثل النازية الألمانية، الفاشية الإيطالية، اسبانيا الفرانكوية، ونضيف إليها العسكراتية اليابانية. للحديث صلة