وداعا ابو محمد
صباح هذا اليوم رحل عن عالمنا الصديق والقريب عبد الغني محمد الشماسي «ابو محمد»، بعد معاناة شديدة مع الامراض استمرت بضعة أشهر. لم يكن المرض جديداً عليه، فقد كانت معظم اجزاء جسمه تشتكي من علة ما، ولكنه كان يقاومها بارادته القوية، لم يكل أو يتعب من الذهاب لعدة مستشفيات، موعد تلو الآخر، وساعات النهار يقضيها في ممرات المستشفيات انتظارا لموعد مع طبيب، أو لجاهزية السرير حينما كان يحتاج للتنويم.
كانت لدى ابو محمد ارادة صلبة، وقوة ايمان بذاته جعلت منه عنيدا في مواجهة كل الصعاب، ولهذا لم يستسلم للمرض، أو يقبل بأن يكون اسيراً للسرير الطبي.
قبل الكورونا كنا نلتقي اسبوعيا في منزله، كان يعاني ويتألم، الا انه ورغم الاوجاع والوهن الذي كان يكبر ويتضخم يوم بعد يوم، فقد ظل متمسكاً بلقاءاته مع اصدقائه، التي كانت تعيد شحن مخزونه من ارادة المقاومة المتمترسة في اعماقه. ومع الهجمة الكورونية اغلق مجلس ابو محمد ابوابه، فتسكرت بعضاً من صمامات مخزون المقاومة.
كل من اقترب من عبد الغني الشماسي كان يلمس في شخصيته مقدار العناد المقاوم، الذي جعلت منه في الخمسينات والستينات والسبعينات رجلاً لا يقبل الاستسلام أو التنازل الهش وراء كلمة لينة، أو عصاة قاسية، أو ذهب لامع.
ومثلما اعتاد في الايام الاخيرة من عمره على زيارة المستشفيات، اعتاد في ريعان شبابه على التنقل بين محطات الغياب التي لم تفقده حبه لخير وطنه وتمسكه بالآمال في تقدمه ورقيه، واحتفاظه بالوفاء لاصدقائه الذين كان يبادلهم الحب والتقدير والامتنان لتلك الايام التي جمعتهم سوية في ايام لم تكن دائماً سماءها صافية، ولم تكن لياليها دائما مقمرة.
كريم النفس، وكريم في عطاءه.. اعتاد على الكد والكفاح منذ صغره بعد ان فقد والده وهو صبي، فعاش ضنك العيش وصعوبة الحياة بدون أب يحن عليه ويقيه من قساوة الايام في مرحلة زمنية كان القرش عصياً، فخاض اول تجارب حياته المهنية حينما افترش الارض ليبيع اعواد الكبريت في سوق لا تعطي البائع المتمرس الا قروش معدودات. ترك ذلك اثره عليه لاحقاً في معرفة حجم المعاناة التي يعيشها طفل ليس له معين، فكان لا يتأخر عن عمل الخير ومساعدة المحتاجين، وحينما كان يتبرع لاعمال الخير، لم يكن ينتظر سند قبض باسمه، فقد كان هذا النوع من الشهرة آخر ما يضعه في رزنامة حياته.
في تلك اللحظات التي كانت الآلام تزداد، وتتضاعف من وراءها كميات كبسولات وحبوب الادوية، كان يواجهها بتصريح كان يردده بين الحين والآخر ”بأنه ليس خائفا من الموت“، وكيف لشخص مثله ان يخشى الموت وهو الذي لم يظلم احدا، ولم يسرق من احد، ولم يتسبب في اذية احد، ولم يتخلى عن مسؤولياته وتحمل تبعات افعاله الشخصية مهما كان الثمن.
من بعد هذا اليوم لن يستقبل هاتفي تلك المكالمات التي كانت تأتيني يومياً منه حينما كنت طريح الفراش بعد خروجي من المستشفى في مثل هذا الوقت من العام الماض، ولا تلك المكالمات التي كان يشكو لي فيها معاناته مع الآلام والمصاعب الصحية الاخرى التي اصبحت ملازمة له في الاشهر الاخيرة قبل دخوله الاخير لمستشفى الدمام التخصصي. فقد اقفل هاتفه الى الأبد، ولن اسمع صوته الحنون من بعد الآن. فقد غادرنا الى مثواه ومستقره الأبدي.
فلروحك الطيبة يا ابو محمد الطمأنينة والسكينة، وستبقى ذكراك الطيبة في قلبي وفي قلوب كل من عرفك وعاش معك في السراء والضراء.
العزاء لحرمه بنت العم السيدة بتول «ام محمد» ولبناته واولاده واحفاده وانسبائه ولابناء وبنات اخوته واخواته، ولكل الاسرة الكريمة ولكافة اصدقائه في هذا المصاب الكبير، واسأل الله ان يتولاه برحمته ورضوانه ويجعل الجنة مستقره ومثواه.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.