”الترامبيَّة“
خسر دونالد ترامب ”الرئيس“، لكن ماذا عن ميراثه «Legacy»؟ أعني ”الترامبيَّة“.
”الترامبيَّة“، أو ”الترمبيَّة“، «Trumpism» هي أيديولوجية سياسية، وأسلوب حكم؛ تحولت إلى حركة سياسية بمجموعة من الآليات لاكتساب السلطة والحفاظ عليها. أخذت اسمها من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، بدأت الترامبية تطورها في الغالب في حملة ترامب الرئاسيَّة لعام 2016. أطلق قاموس كولينز «الإنجليزي البريطاني» ”Trumpism“ بعد انتشاره كأحد ”كلمات عام 2016“؛ يشير المصطلح إلى أيديولوجية ترامب وطريقته المميزة في التحدث. الترامبية نسخة أمريكية من المشاعر اليمينية المحافظة والشعبوية القومية التي توجد في عدة دول في جميع أنحاء العالم. وفي ما يلي اختصار لأبعادها المهمة «الايدلوجي والاقتصادي والدولي «الخارجي» والنفسي - اجتماعي واللغوي».
تشير الترامبية إلى أسلوب سياسي شعبوي يقترح إجابات قومية للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة، تعتمد على تعبئة ”المحرومين“ من حقوق التصويت، من عدم المساواة الاجتماعية المتزايدة. ”المحرومون“ المعنيون هم ”البيض“. جوهر الترامبيَّة هو معارضة صريحة للمؤسسة السياسية القائمة، وتقوم على ثلاث ركائز، وهي الدين والقومية والعرق. مما يفسر توجه أتباع «جمهور» ترامب، قاعدته الشعبية «Base»، بتمظهرات ”الدعم الإنجيلي“ «لترامب»، وشعار ”اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى“، و”الحفاظ على الأغلبية البيضاء“.
السياسية الاقتصادية تنطلق من القومية ومعاداة النخبوية وانتقاد العولمة، لذا تركز على الوعد بوظائف جديدة في البلاد ومزيد من الاستثمار المحلي، وحين ترى أنهما أو أحدهما مهدد تفرض تعريفات «رسوم» جمركية عقابية على الدرل مما يخلق توترات مع الدول، وربما تفتعلها لذات الغرض.
أنا لست خبيرًا في السياسة ولا أفهم في أبجدياتها الأولية، لكن يبدو أن الترامبيَّة لا تهتم وليس عندها سياسة خارجية، بل تتعامل مع الدول الأخرى من خلال مفاهيم البعدين السابقين؛ العلاقات الدولية في منظور الترامبية قائمة على التالي:
- ”أمريكا أولاً“
- ”الأحادية“ بدل ”التعددية“ «السياسة متعددة الأطراف» ويتم التأكيد بشكل خاص على المصالح الوطنية، لا سيما في سياق المعاهدات الاقتصادية والتزامات التحالفات.
- ازدراء الآخرين، بما فيهم الشركاء عبر الأطلسي «الناتو والاتحاد الأوروبي»، وهم حلفاء أمريكا التاريخيين. وهنا تحضر حتى كندا، الجارة اللصيقة.
- التعاطف مع ”الاستبداد“؛ لذا نلاحظ إعجاب ترامب بالمستبدين، كما في علاقته الشخصية مع فيلادمير بوتن «روسيا»، وكِمْ جونغ - أون «كوريا الشمالية».
أكدت نتائج أبحاث نفسية واجتماعية تستخدم تقنيات حديثة أن توجه الهيمنة الاجتماعية وتقارب القيادة الاستبدادية مرتبطان بالفعل بأتباع الترامبية. رغم أن هذا لا يعني أن الأتباع يتصرفون دائمًا بطريقة سلطوية ولكن هذا التصرف مشروط، بمعنى أن هناك تأثيرًا ما، وإن يكن بسبب الخوف والتهديد. وقد أظهرت دراسات مماثلة لتحليل الترامبية فعاليتها في تحديد أتباع حركات مماثلة في دول أوروبا، على سبيل المثال، بلجيكا وفرنسا وهولندا وإيطاليا.
يرى بعض الباحثين في العلوم السياسية «كمارك بليث وجوناثان هوبكين» أيضًا أوجه تشابه قوية بين موقف الترامبية والحركات المماثلة تجاه الديمقراطيات غير الليبرالية في جميع أنحاء العالم، لكنهما يعتقدان أنه لا يقتصر على الاشمئزاز والخسارة والعنصرية. ويرى هوبكين وبليث بأن الاقتصاد العالمي «المعاصر» يقود إلى نمو التحالفات القومية الجديدة «يمينية أو يسارية» التي تجد أتباعًا يريدون التحرر من القيود المفروضة عليهم من قبل ”نخب المؤسسة“ التي تخدم الاقتصاد النيوليبرالي والعولمة. لذا تبدوا الترامبية أقرب إلى ”البلوتوقراطية“ «Plutocracy، أي حكومة من قبل ”النخبة الثرية“ «همها الاقتصاد، أو المصلحة، لا الأخلاق أو القيم». يسمي أستاذ علم الاجتماع ديلان جون رايلي ترمب ”الوريث البونابارتي الجديد“ «neo-Bonapartist «patrimonialism [1] ، في حين يناقش فيديريكو فينشلشتاين «مؤرخ أرجنتيني» تقاطعات مهمة بين ”البيرونية“ «Peronism» [2] و”الترامبية“ من حيث تجاهل النظام السياسي المعاصر «سواء في مجال السياسة الداخلية أو الخارجية».
لغة ترامب، في خطبه وأحاديثه، ومقابلاته وتغريداته، تميزت بصفات لفتت انتباه اللغويين وقاموا بدراستها وتحليلها، وكتبوا مقالاتٍ وألفوا كتبًا عديدة عنها. أحد الجوانب الأكثر تميزًا في الرئاسة غير التقليدية للرئيس ترامب هو أسلوبه في التحدث؛ إنه عالم مغلق بأحرف كبيرة من تركيب مختلط، وقواعد شاذة، وسوء استخدام، ولغة عامية، ومبالغات، وعبارات الحيوانات الأليفة، وتناقضات ”نحن - ضد - هم“. ومع ذلك، أثبتت الطريقة التي يتواصل بها أنها فعالة للغاية في جذب العديد من الناخبين خلال انتخابات عام 2016. منذ بداية حملته الرئاسية، أثبت أسلوب ترامب ”العامي“، الذي غالبًا ما يتحدث بشدة، أنه استقطاب غير معتاد لسياسي يُنتخب ليحكم أمة تعداد سكانها 325 مليون نسمة. ما يجده العديد من المستمعين له أصيلًا وبسيطًا، يجده الآخرون فظًا وغير مقنع.
وقد لاحظ علماء اللغة الاجتماعي أنه منذ بداية ترشيحه، كانت اختيارات ترامب للكلمات تشير إلى جهد متعمد لمخاطبة المؤيدين الذين ليس لديهم شهادات جامعية، بما في ذلك البيض من الطبقة العاملة وأولئك الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر مثل مبيعات التجزئة أو الخدمات العامة، وهم المجموعة الفرعية ذاتها من الناخبين الذين حضروا بأغلبية ساحقة لتعيينه في المنصب. وهناك تفاصيل في هذا البعد «لغة ترامب» سأتناولها في مقال منفرد، كي لا أطيل على القراء.
وفي الختام، يرى المفكرون والمحللون السياسيون وعلماء الاجتماع في أمريكا أن العواقب طويلة المدى لسياسات ترامب والدعم الذي يتلقاه لها من الحزب الجمهوري قد تكون خطرة على الديمقراطية «الأمريكية» والمجتمع الأمريكي، لذلك ظهرت كتابات مؤخرًا، بعضها تسأل عن ”مصير الترامبية“ بعد خروج ترامب من الرئاسة؛ بعضها تؤكد بقائها. وهي أكبر وأخطر مشكلة يواجهها جو بايدن، الرئيس المنتخب «President-Elect»، حين يستلم مهام إدارة البلاد في شهر يناير 2021.