هل سينجلي يوما المنجلي؟
ولد وهو مبتسم والطموح يسبقة، لم يختلف عن زملائه في شيء، بل كان أكثر حماسا وحيوية، يحب اللعب والتحدي وممارسة الرياضة بمختلف أنواعها، شارك في منتديات رياضية عدة لكن وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي يبذله، كان يعزل من الفريق في كل مرة. شارك في نادي للياقة البدنية ورفع الأثقال ولم يستطع الاستمرار، كان يزداد عزيمة وإصرارا بالرغم من كل المعاناة. تخرج بامتياز مع مرتبة شرف أولى وتوظف في إحدى أكبر الشركات في الوطن لكنه خسر وظيفته بسبب الإجازات المرضية الكثيرة التي كان يحتاجها. التحق بعدة وظائف لكنه لم يستطع الاستمرار في أي منها لنفس السبب. نوبات ألم قوية ومستمرة رافقته منذ الطفولة وأصبحت جزءا من حياته اليومية، زيارات متواصلة للمستشفى حتى أصبح المستشفى بيته الثاني. تم استئصال المرارة بسبب الحصوات فيها وتبديل كامل دمه ليستطيع مواصلة حياته. بدأ المرض بإتلاف الكلى والكبد والطحال والتأثير على بصره أيضا. تخطى الثلاثين من العمر ولم يتزوج حتى الآن فكلما تقدم لخطبة فتاة، يرفض ولنفس السبب في كل مرة. لا علاج لحالته سوى أدوية تخفيف الألم والمكملات والمضادات الحيوية للوقاية من أي عدوى، وما يؤلم أكثر أن كل ما يعانيه ذلك الشاب هو بسبب قرار خاطئ اتخذه والداه بدون التفكير في عواقبه. صدقا إن «الحب أعمى» والجهل أصم ونتيجتهما أو واحد منهما فقط هي طفل يعيش مصاحبا للألم والمعاناة طوال حياته. كان والداه يحبان بعضهما وقررا الزواج على الرغم من معرفتهما أنهما حاملان لمرض فقر الدم المنجلي. لكن إذا دخل السكلسل والألم والمعاناة من الباب، خرج الحب من الشباك.
ما هو مرض الأنيميا المنجلية «السكلسل»؟ هو اضطراب وراثي في خلايا الدم الحمراء ينقل من الآباء لأبنائهم عن طريق الجينات ويحول خلايا الدم في الجسم من الشكل القرصي الانسيابي لشكل الهلال أو المنجل، مما يسبب تشابكها والتصاقها بالأوعية الدموية وتكوين انسدادات تمنع تدفق الدم والأكسجين إلى أجزاء الجسم. وكان لكثرة الإصابة بالسكلسل في سكان بعض مناطق العالم عن غيرهم قصة غريبة فقد اكتشف العلماء تمركزه بين سكان بعض المناطق الساحلية أو القريبة من مسطحات مائية والتي شاع فيها مرض الملاريا حيث تتكاثر بعوضة الأنوفيليس الحاملة لطفيلي الملاريا. كان مرض السكلسل يوفر حماية طبيعية عن الملاريا لحامله أو المصاب به. وبذلك قضى الملاريا على الكثير من المعافين فازداد عدد المرضى بتزاوج المصابين فيما بينهم وهجرتهم بأعداد كبيرة إلى مختلف أنحاء العالم.
ولأن مرض السكلسل لا علاج له فالوقاية هي الحل الوحيد للقضاء عليه تدريجيا وكمبادرة نابعة من الإحساس بالمسؤولية، قامت بعض العوائل في القطيف بكتابة مواثيق بينهم تنص على عدم الزواج من بعضهم لتفادي إنجاب أطفال مصابين.
فحص ما قبل الزواج لم توفره الدولة بالمجان عبثا فضحايا القرار غير المسؤول هم أطفال لن يعيشوا حياة طبيعية أبدا. نصيحة أقدمها هنا لكل شاب مقدم على الزواج، إذا قمت بفحص ما قبل الزواج واتضح أن نتائجك لا تتناسب والطرف الآخر فقم برحلة حول المستشفيات وابحث عن مرضى السكلسل واستمع لصراخهم قبل أن تقرر الزواج.
في وسط هذا الزخم الإعلامي والمعرفي واختلاف أساليب التثقيف للتعريف بالمرض وتوعية المجتمع، أستغرب فعلا من وجود أشخاص لا يتخذون القرار الصحيح عند الإقدام على الزواج!!
فهل هو يا ترى جهل، تجاهل أم حب أعمى؟