آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

الكوليرا تصنع قارئا

يوسف أحمد الحسن *

لم تأت آلاف حلقات برنامج لغتي الجميلة الإذاعية التي قدمها الكاتب والشاعر الكبير فاروق شوشة من فراغ، بل جاءت نتيجة مباشرة وغير مباشرة لشغفه بالقراءة والاطلاع منذ نعومة أظفاره. حيث إنه «وكما يقول» بدأ بالقراءة «وكان في التاسعة من عمره» من مكتبة والده «معلم وشاعر» والتي كانت في غرفة الجلوس ولم يكن يسمح لأحد بدخولها. لكن هذا الولد المتمرد خالف الأوامر بسبب شعوره بالوحدة والملل بعد منعه من الخروج من المنزل طيلة أربعة أشهر هي العطلة الصيفية وذلك بعد انتشار مرض الكوليرا في مصر في العام 1947م.

يضيف شوشة بأنه صدم من منظر الكتب المصفوف بعضها فوق بعض، ولذلك فقد أغلق الباب خلفه صباحا وبقي حتى الرابعة عصرا لم يخرج منها ولم يسأل عنه أحد. ويقول بأن أول كتاب قرأه كان ديوان شعر لشوقي ثم كتب أخرى ظل يتصفح واحدا تلو الآخر، وعندما خرج من المكتبة فهم بأن أباه عندما عاد من العمل دخل المكتبة ورآه منكبا على الكتب ولم يشأ مقاطعته ولم يعاقبه رغم أنه كان يعاقبه لأسباب أقل، بل طلب منه فقط أن يحافظ على الكتب.

ولمن لا يعرف فاروق شوشة «1936 - 2016» فهو كاتب وشاعر طبع له عدة دواوين وأشهر ما قام به في حياته برنامجه الشهير «لغتنا الجميلة» الذي استمر لأكثر من أربعين عاما حرص بأن يكون خفيفا وشيقا لا تعليميا. وتنقل شوشة في مسؤوليات عديدة كان أبرزها الأمين العام لمجمع اللغة العربية. وعلاوة على دواوين شعره فمن أشهر كتبه كتاب «أحلى 20 قصيدة حب» الذي تعددت طبعاته وانتشر بشكل واسع في العالم العربي.

وقد ظل فاروق شوشة يشتري الكتب منذ صغره بما يمتلكه من مال في كل فترة من عمره وكان شغوفا بالقراءة حتى استطاع أن يكون مكتبة منزلية بلغ عدد كتبها 22 ألف كتاب كان ينهل منها كل يوم يقرأ ويكتب. وقد ضاقت شقته بالكتب حتى خيرته زوجته بينها وبين كتبه، فاستأجر شقة خاصة للكتب يختلي فيها ولا يسمح لأي كان بالاستعارة منها أبدا.

يقول فاروق شوشة «الذي يسمى أيضا حارس اللغة العربية»: لم أصبح هكذا إلا لأنني وجدت شيئا في البيت أقرؤه وأنا صغير. وفي العام 2018 احتفل محرك البحث جوجل بالذكرى ال 82 لميلاده، حيث تم وضع صورته على واجهة المحرك الأشهر عالمياً مع عبارة ”لغتنا الجميلة“.