آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

الريحان عطر الماضي وعبق الحاضر

سهام طاهر البوشاجع *

الريحان أو كما يسمى في الخليج ”المشموم“ تزينت به النساء العربيات في الماضي، أغصانه بوريقاتها الخضراء يتدلى من تحت خصلات شعرها، تفوح منه الروائح الزكية فكان عطرها الأول، كساها حلة من جمال، بأزهاره الوردية الصغيرة فوق جمالها، فكان رمزاً للجمال وعنوانًا للفرح في معظم المناسبات، يقطف من المزارع غضا طريا ويؤتى به إلى المنازل في سلال كبيرة تعكف عليه الجارات وتعمل منه تشكيلات جميلة تارة كزينة للشعر وتارة يلبس كقلادة على الصدر أو يترك دون تشكيل ينثر على رؤوس العرسان أو المحتفى بهم، كما ينثر الورد أو الملح في بعض البلدان.

صورة حضارية وثقافة منطقة صنعتها الأيام فكانت وما زالت لذكراها عبق ينبض بالحياة.

للريحان عدة مسميات معروفة في مختلف المناطق العربية وغير العربية فهو يدعى الحوك أو الحَبَقُ كما يسميه أهل الشام والعراق ويُلقّب في أوروبا بالرَّيحان الملكي أو العشبة الملكية أو نبتة القدّيس يوسف، وهو نبات عطري عشبي حولي ينتمي إلى الفصيلة الشفوية.

وكما عرف بالنبتة العطرية واستخدم في الزينة وبث الروائح الزكية، كذلك عرف في الطب القديم كدواء لكثير من الأمراض، إذ ُعد مضاداً للتشنج أو مُنبّهاً هاضماً، ولمعالجة بعض الأمراض الجلدية لا سيما الجروح، فقد كان الناس في الماضي ما إن يصاب أحد منهم بجرح أو قرصة نحلة أو إحدى الحشرات حتى يسارعوا بدعك وريقات من الريحان ووضعه مكان الجرح أو القرصة.

وأما في القرآن الكريم فقد ذكرت كلمة الريحان مرتين، مرة في سورة الرحمن الآية «12» حيث قال تعالى: ﴿والحب ذو العصف والريحان، فبأي آلاء ربكما تكذبان ومرة في سورة الواقعة في الآية «89» حيث قال جل وعلا: ﴿فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم.

يقول الشاعر أبو فراس الحمداني متناولاً كلمة الريحان في شعره:

يا زارع الريحان حول خيامنا..... لا تزرع الريحان لست مقيم

ما كل من دخل الهوى عرف الهوى..... ولا كل من شرب المدام نديم

ولا كل من طلب السعادة نالها..... ولا كل من قرأ الكتاب فهيم

ويقول بشار بن برد:

يا ليتني كنت تفاحا مفلجة... أو كنت من قضب الريحان ريحانا

ويقول أبو نواس:

أوما ترى أيدي السحائب رقشت... حلل الثرى ببدائع الريحان

من سوسن غض القطاف وخزم... وبنفسج وشقائق النعمان

ويُعتقد أن أصل الريحان يعود إلى الهند أو أفريقيا حيث عرف عند الكتاب الإغريقيين في الزمن الماضي واشتهر في الطهي، لا سيما في المطبخ الإيطالي وجنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا والفيتنام وتايلاند.

وكما كان له حظا وافرا في تاريخ وحضارة الأمم، كذلك ثبت حظه في كتبها الدينية، حيث استخدم لرموز روحية كثيرة منها الأسطورية ومنها من باب العادات والأعراف، فالمسيح يستخدمون الريحان كرمز لرائحة الصليب ويتفاءلون باللون الأخضر إذ يعدونه رمزًا للحياة.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز