آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

مستقبل السياسة الأمريكية

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

أسبوع واحد يفصلنا، عن «الثلاثاء العظيم»، اليوم الذي سيتحدد فيه من سيكون في المكتب البيضاوي، للسنوات الأربع القادمة. جل التقارير والمؤشرات، تشي بأن الفوز سيكون من نصيب المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن. وبخلاف أسباب الفشل والنجاح للوصول لسدة البيت الأبيض، في الدورات الانتخابية السابقة، والتي ترتبط عادة بالاقتصاد، فإنها هذه المرة، تعود لسبيين آخرين، ليس لهما علاقة مباشرة به.

السبب الأول فشل إدارة ترامب الذريع في احتواء جائحة كورونا، حيث تحتكر الولايات المتحدة الرقم الأول في الإصابات، والموتى، جراء استفحالها. أما السبب الآخر، فهو غياب الخطاب التوحيدي، في معالجة القضايا العنصرية، وتظاهرات الاحتجاج على قتل مواطنين سود، في عدد من المدن الأمريكية. ما سعّر السخط والغضب وسط مختلف مكونات المجتمع الأمريكي، وبشكل خاص ضمن السود، والمنحدرين من أصول مكسيكية، وقطاع واسع من فئات أخرى، من المجتمع الأمريكي، تجاه سياسة ترامب.

ما يهمنا في هذا الحديث، ليس تناول موضوع الانتخابات، رغم أهميته، فقد تناولنا بعض جوانبه في أحاديث سابقة، بل هو مستقبل السياسة الأمريكية، في حالة الفوز المرجح الآن للمرشح الديمقراطي بايدن.

ورغم التسليم بأن جوهر السياسة للإدارات الأمريكية المتعاقبة في العصر الحديث ثابت، يختزل في الدفاع عن المصالح الأمريكية، وموقع أمريكا، كقوة عالمية عظمى وفي سبيل تأمين ذلك، فإن كل الوسائل مشروعة، من وجهة نظر هذه الإدارات، بما في ذلك القسر، والإرهاب، والحرب. لكن الأداء، والاستراتيجيات، والتكيتيات التي يمارسها الرؤساء، مختلفة من رئيس لآخر، عاكسة موقف الحزبين الرئيسيين اللذين يتناوبان على الحكم في الولايات المتحدة، الديمقراطي، والجمهوري.

فإضافة إلى الاختلاف الكبير في المسألة الاقتصادية بين الحزبين، والتي تعبر عن اقتصاد موجه عند الديمقراطيين، واقتصاد منفلت لدى الجمهوريين، بما يعني التناوب بين التضخم، والانكماش، وبين حضور دولة الرفاه وغيابها، هناك أيضاً فروق شاسعة في السياسة الخارجية، لا تعكسها سياسة الحزبين فقط، بل وأيضاً شخصية الرئيس، وطاقم العمل المحيط به.

وإذا ما أخذنا موقف الحزبين في العقود الخمسة المنصرمة، واعتبرناها بوصلة لقراءة المستقبل، أمكننا تقديم قراءة استشرافية لما ستكون عليه سياسة بايدن الخارجية، حال تسلمه الموقع الرئاسي. وما يجعل هذه القراءة أقرب للصواب، أن الرئيس «المرتقب»، كان إلى ما قبل أربع سنوات من هذا التاريخ، نائباً للرئيس باراك أوباما لفترة ثماني سنوات، وكان شريكا له في قراراته السياسية.

والسياسيات الاقتصادية الداخلية، لها تأثير كبير في السياسة الخارجية. فتوجيه خزينة الحكومة الفيدرالية نحو معالجة القضايا الداخلية، يقتضي تقليص مصاريف الدفاع، وسباق التسلح. وهو ما يعني السعي للاتفاق مع روسيا الاتحادية، من أجل تعضيد الاتفاقيات السابقة، لوقف سباق التسلح، وبشكل خاص في المجال النووي. وسوف يعكس ذلك ذاته، على الموقف من الأزمات الدولية الأخرى المستعصية.

هناك أيضاً الملف النووي الإيراني، وموقف بايدن تجاهه واضح، وصريح، وهو العودة للاتفاق الذي جرى التوقيع عليه، أثناء عهد الرئيس باراك أوباما. وهو اتفاق يضمن استمرار المراقبة على المنشآت النووية الإيرانية، ويحجب عن حكومة إيران، استمرار العمل من أجل امتلاك السلاح النووي. وإذا ما تناولنا الأمر، من زاوية عملية، فإن مواقف ترامب، المتشددة من إيران، من غير مراقبة مستمرة لمنشآتها النووية، قد أتاح لها أربع سنوات من العمل، بحرية في بناء مشاريعها النووية، في حصار اقتصادي، أضر بالشعب الإيراني، لكنه لم يؤثر جدياً في سياسة التسلح لطهران.

وسيكون الموقف مختلفاً تجاه القضية الفلسطينية. فالديمقراطيون هم أول من تبنى أمريكياً قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية، منذ عهد الرئيس، جيمي كارتر، عام 1978. بل إن الرئيس كارتر مضى أكثر من ذلك، فوقع على وثيقة ثنائية مع زعيم الحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجينف، تعهد بموجبها القائدان بدعم قيام دولة فلسطينيىة مستقلة، في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

وفي هذا السياق، فإن جل معاهدات السلام السابقة، قد جرى توقيعها برعاية رؤساء ديمقراطيين، فكارتر رعى اتفاق كامب ديفيد، وكلينتون رعى اتفاقي أوسلو، ووادي عربة، وسيعيد بايدن الاعتبار مجدداً للمفاوضات على قاعدة الاعتراف بدولة فلسطينية في المناطق التي جرى احتلالها عام 1967.

وسيركز بايدن على قضايا حقوق الإنسان، في البلدان الأخرى، ومنها منطقتنا العربية، وعلى الأوضاع في العراق، والأزمة السورية، والقضية الكورية والعلاقة مع الصين، والاتحاد الأوروبي. والحديث بحاجة إلى المزيد من القراءة، والتحليل.