”عبد العزيز آل زايد“: جائزة ناجي نعمان هي العتبة الأولى لانطلاقتي الأدبيّة
- الهدوء هو ما احتاجه لصناعة أيّ سطر
- الشّهرة ليست دليل نجاح
- الرّواية العربيّة المعاصرة بلغت منزلتها العالميّة
عبدالعزيز حسن آل زايد، كاتب وروائي سعودي، ولد عام 1979م، حاصل على «جائزة الإبداع» في يوليو 2020م، من مؤسسة ناجي نعمان العالميّة في بيروت في دورتها ال18، بروايته «الأمل الأبيض».
آل زايد مهتم بالسّرديات التاريخيّة التخيليّة، يعمل معلمًا في إدارة التعليم بالمنطقة الشرقية، له العديد من الكتابات على الصحف والمجلات الإلكترونية ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
حاورته ”جهينة الإخبارية“ في أغسطس الماضي، عن الرواية السعودية، ومستقبلها، وكذلك الرواية العربية، وفيما يلي الجزء الثاني من الحوار..
كيف توفِّق بين وظيفتكَ الأكاديمية كمعلم، وعملكَ الإبداعي الكتابي الروائي؟
التّحصيل الأكاديمي بوابة الإبداع، ثُمّ يأتي دور القفزة بالعمل الدّؤوب، والتّوفيق بين أيّ شيء متأتي لمن أراد، كلّ موظف له ساعات سكن وأيام راحة، وساعات استراحتي أمنحها للقراء، فأنا بُندُقيّة صيد ذات فوهتين، كالرّوميّة المحشوة بالبارود، فوة تعمل في الصّباح وأخرى تمنح في المساء، فإذا جَنّ عليّ اللّيل وجاء وقت النّوم أكون أسعد من في الأرض، ليس لأني أستريح من الأعباء والمشقات، بل لأني منحت ما لدي من الشّروق حَتّى آخر رمق.
أين تجد نفسك أكثر، في الرواية؟، أم في المقال؟
في البدايات كتبتُ المقالة والقِصّة القصيرة، وحين تشبّع الحبر بالاتساع سحبتني الرّواية لأروقتها وانسكب السّرد بجنون، بالكاد أجد وقتًا لأمتع القراء بما يريدون، حيث عتب عليّ صديق حين منحت جائزة الإبداع، وقال: ”إننا ننتظر منك كتابًا لا رواية!!“، أتمنى أن أمنح جميع الرّغبات إلا أن الأدبيات تتوغل فيّ بعمق وجائزة ناجي نعمان هي العتبة الأولى لانطلاقتي الأدبيّة، لذا أقول أني روائي وكاتب، لا كما وصفتُ في السّؤال أعلاه، رغم أن القراء لم يقرأوا لي رواية حتّى اللّحظة، وهذا يعني أني في نظر الجمهور كاتب قبل أيّ شيء، وأنا اترقب صدور رواياتي لأترك للقراء الحكم والإجابة على السّؤال.
ما هي طقوسك في الكتابة؟ وطريقتك في جمع المصادر؟
الهدوء هو ما احتاجه لصناعة أيّ سطر، فأنا أعشق الخلوة والوحدة، وأتمنى الصّعود للقمر لأبتعد عن ضوضاء أهل الأرض، أما المصادر التّي أعتمدها ذابحة وتقتل فيّ كلّ خلايا البدن، لا سيما إذا كانت شخصيتي الرّوائية تاريخيّة متخيلة، ثم أنّ القارئ الذّي يجلب له قدح الشّاي ويحتسي فنجان القهوة باستمرار لا يدرك عادةً المعاناة التّي يرصف بها الرّوائي الصّفحة الواحدة من روايته، حَتّى تلك الرّواية المتخيلة ترهق صاحبها حَتّى لحظة الانهاك.
إنّ أغلب مصادرنا متاحة اليوم فعشرات الكتب تصل بكبسة زر على الشّبكة العنكبوتيّة، وهذا يعني أن الرّواية مدعمة بالكثير من المعلومات الموثقة من مصادر معتمدة إلا أنّ العادة جرت أن لا يُسْتَشهد بالمصادر في متون الرّوايات وأظنّها بالنّسبة لي مسألة ذوقيّة يراها البعض ويخالفها آخر.
كيف توفق بين الحياة الأسرية والتأليف؟
الأسرة والتّأليف يؤثر الواحد في الآخر، فإذا منحت الوقت للأسرة اشتكى المارد الأزرق الذّي يسكنني بأنّي لم أُوَفّيه حقه ويتظلم ويرفع دعواه لخالق السّماء حَتّى أنصفه حقه وأمارس الكتابة، وإذا أسهبت واستبد بي الجانّ الموكل بكتابة الرّوايات والذّي أزعم أنّه أكثر شراسة من الجانّ الموكل بكتابة الشّعر، تضج الأسرة بي وتراني كلوح خشب أخرق لا حياة فيه ولا روح، فتبدأ المكيدة لاجتذابي سواءً بإعداد وجبه شَهيّة أو مقلب دراماتيكيّ تستوفي به مني حقها، وأظل هكذا بين أمواج الكتابة وحقوق الأسرة، أما المجتمع الذّي كنتُ أسرح في باحته لا يرى مني غير السّطور، فإذا دخل في المضمار أيّ طرف ثالث فأعرف أنّ الجانّ الذّي يسكنني سيمارس سحره الأسود ويرمي بلعنته على الجميع.
ألم تفكر في استثمار أسلوبك في كتابة أعمال روائية على شاكلة شفرة دافنشي وعزازيل وملك الخواتم؟
نعم أنا من قراء شفرة دافنشي ورواية عزازيل وملك الخواتم، أرى أن روايتنا الفائزة بجائزة الإبداع ”الأمل الأبيض“، فيها هذا التّشويق، إلا أني أعتذر للقراء ضعاف القلوب عن هذه الرّواية التّي تصنف ضمن روايات الرّعب، رغم أني سعيتُ جاهدًا أن أخفف وطأة الجانّ الذّي يركل في عقلي، حَتّى لا يشطبني القارئ من قائمته، لديّ موهبة السّرد المرعب، لكني أتمنى أن لا أتورط به كما تورط به غيري، والسّبب أني لا أرغب في أرق أناس طيبين يقرأون لنا بحسن نيّة، أتفق معكم فيما ذكرتموه لهذا توجهتُ لكتابة الرّواية، إلا أنّ ما ينقصنا نحن الرّوائيين هو التّفرغ التّام لتقديم روايات يشار لها بالنّجوميّة والإتقان.
ما هي معايير نجاح الكاتب بنظرك؟
الشّهرة ليست دليل نجاح، وركام المؤلفات قد تكون زبدًا، والجوائز قد يدخلها المحاباة، فما هو مقياس النّجاح؟، في كلمة واحدة المقياس هو الجودة، فهناك كاتب موهوب، والموهبة وحدها لا تكفي، فالكتابة النّاجحة تحتاج إلى العمل الجاد والمتفاني والإخلاص في العمل، الكتابة كالبناء، والسّطور كالقلعة، بالتّمعن والقراءة الحصيفة ندرك من هو الكاتب النّاجح الذّي يُحَلّق بالإبداع، فما هي صفاته؟، هو من يقدم جديدًا لقرائه، من يمتلك موهبة الجذب حَتّى آخر نفس، هو ذلك الماهر الذّي يمسكك من تلابيبك ولا يدعك حَتّى يفرغ فيك كلّ سطوره وأنت مأخوذ بما لديه، ذلك هو الكاتب الذّي يستحق الوصف بالنّجاح.
وما رأيك في الرواية العربية، وهل تعتقد أنها وصلت إلى العالمية؟
الجسر عُلْق بين الضّفتين، وبلغت الرّواية العربيّة المعاصرة منزلتها العالميّة، يكفي أنّ العرب أنجبت قامة مثل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، ولا غرو أنّه ليس الرّوائي اليتيم الذّي تفرد وأبدع في الرّواية العربيّة المعاصرة، فما هو رأينا فيها؟، هل كانت القداحة أصيلة؟، أم أنّ الظِّلال العربيّة مستوحاة من الأدب الغربيّ؟، ليس عيبًا أن ننقل التّجارب النّاجحة لأوطاننا، وهذا ما فعله الرّعيل الأول من الأدباء العرب، الحقيقة واضحة أنّ الرّواية العربيّة متأثرة بالرّواية الغربيّة، سواء قلنا أنّهَا غربيّة الشّكل عربيّة المضمون والمحتوى، أو قلنا أنّ الرّواية فَنّ أبدعه الغرب وتقمصه الشّرق، فما هو فخر العرب؟
نقول إنّه صحيح أنّ البداية تاريخ ولا يمكن نكرانه، لكنّ الاعتبار بالنّهايات لا بالتّغنّي ببدايات السّلف الغربيّ، فهل ظلّ العرب يجترون جواهر الغرب؟، أمثال ما أحدثه الطّهطاويّ والمنفلوطيّ وسواهم، الحقيقة التّي لا غبار عليها أنّ الرّوائيين المعاصرين العرب تجاوزوا لثغة الببغاء ورصفوا بكلماتهم روايات الإبداع، ولعلّنا نشهد يومًا ما انعكاس ضوء القمر في المرآة، فالرّواية العربيّة بدأتْ طفلًا يُقلّد الكبار في المشي، إلا أنّ فترة الطّفولة انتهت وبدأت تتخطى العقبات وتتمسك بالجذور وتنطلق بالتّفرد في رحاب فسيح.
ما الذي ينتظره المجتمع منك؟
وما ينتظر المجتمع غير ابتلاع حفنة الرّوايات والتهام دستة المقالات، أظنّ أنّ الرّوائي اليوم مُطَالب بأدوار أكبر، فإذا تحدثتُ نيابة عن المجتمع فسأطالب الكتّاب والرّوائيين أن ينقلوا تجاربهم إلى الجيل الآتي، بل أن يوصلوا الموهبة إلى سقف لم يصلوا إليه بعد، لكنّ المجتمع يحتاج إلى قفزة واعية بالمطالبة، بل إننا نرى أنّ الحكومات العربيّة معنيّة بتفريغ الموهوبين والمبدعين ليس لتقديم بضاعة مزجاة من مشروع كتاب - الفكرة التّي نادى بها وزير الثّقافة السّعودي -، إنّ المطلوب تفريق المبدع طيلة أيام حياته لنقل العربة الإبداعيّة للجيل الجديد، حتّى نساهم في ازدهار الأوطان، فماذا تبقى من عمر الأدباء؟
هذه الفكرة لستُ أنا المعنيّ الوحيد بتدشينها فالجوقة يجب أن يساهم في تشكيلها الجميع، لهذا أنا من ينتظر من المجتمع أن يقف ويطالب بحقه، ونحن كذلك نطالب المؤسّسات الثّقافيّة أن تقوم بأدوارها الحقيقية وأن لا تقصر على الزّخرفة الإعلاميّة، فالجيل الصّاعد لديه من المؤهلات ما أعرفها لكوني معلمًا وقارئًا وأديبًا، إنّ في صدور الشّباب هالة تميز، فمن يحتضنها؟، إنّ المشاريع تحتاج لنار تَنْضيج وحركة دؤوبة فاعلة، وأملنا في الخير كبير.
هل تؤمن بحرية المرأة واستقلالها؟
أظنّ أنّ المرأة بدأت تخطوا خطواتها نحو حريتها واستقلالها، بيد أنّ ما يحزنني كثيرًا أني أرى الجنس اللّطيف يسير وفق اتجاهات محدودة وأنا أعلم أنّ في الجعبة الشّيء الكثير، أنا ألمس أنّ المرأة لا تزال تستند إلى الحائط والرّجل، رغم محاولات الخروج من عنق الزّجاجة، أنا مع حرية المرأة لكن المطالبة بالحق تبدأ من الذّات، وهي المعنيّة بهذه المطالبة، ونتساءل: هل تسلمت المرأة مناصبها الحقيقية بالفعل؟ أم أنّ تسلمها لا يزال خجولًا وفي الطّور الأول؟، ويحتاج إلى المزيد من الإنعاش.
وعلى الصّعيد الأدبيّ والثّقافيّ نتساءل: لماذا يقل عدد الكاتبات بالمقارنة مع عدد الكتّاب؟، هل خلقت المرأة للمطبخ ورعاية الأسرة فقط؟، أم أننا ننتظر من شقائق الرّجال أن ينالوا حصتهنرض الطّبيعية، هذا الزّمن أمسى مُواتيًا للمرأة أن تقطف استقلالها وتنطلق بالعطاء، المرأة لا تزال تعاني في مجتمعاتنا، رغم الصّحوة الحديثة، فماذا سيحدث إذا تسيّد الرّجل واستأثر بالمناصب؟، إنّه الرّوتين المألوف، فإذا أردنا أن نعرف هل نالت المرأة نصيبها من التّمكين والحرية والاستقلال؟، سنرى التّغير والقفزة المرجوة، حينها سنقول أنّ المرأة بلغت حريتها واستقلالها الحقيقي لا الوهمي الذّي لا يزال يتطلع لغد مشرق.
ما هو رأيك، في الحب بشكل عام؟، والحب والصداقة والزواج عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟
رغم أني رجل إلا أني أعيش المحبّة بكلّ فصولها، يظنّ الكثير أنّ الرّجل مخلوق من بلاستيك أو خشب أو من مادة لا طعم لها ولا رائحة، فالعواطف ليستْ مُخْتَصّة بالمرأة وحدها، وهذا تعبير خاطئ ولا صحة له، فالرّجل يحمل من العاطفة ما قد يفوق المرأة، أليس هو الأب الذّي يعطف على أبنائه وزوجته وأمه وسائر من هم حوله؟، إنّه الحبّ ولا شيء غيره.
قد لا يقول الرّجل كلمة «أحبّك»، لكنّه يحول هذه الحروف إلى باقاتٍ مُزَيّنةٍ بالتّضحية والعمل والإخلاص والتّفاني، فالدّين في الإسلام هو الحُبّ، وفي المسيحيّة محبّة، وكلّ من هو سوي ينادي بنشرها في ربوع الأرض، أما بالنّسبة لشبكات التّواصل الاجتماعيّ فهي سلاح ذو حدين، هناك من يطوّعها في الخير فيتزوج ويصادق ويعمل الصّالحات ويشيع في أمة الإسلام السّلام، وهناك من تجرفه التّقنية إلى سوء العاقبة، فالكلمات الثّلاث: «الحُبّ والصّداقة والزّواج» كلمات من نور، سواء كانت في الواقع أو في العالم الافتراضيّ، المهم أن لا تنحرف المعاني الطّيبة فتنساق إلى ما يندم عليها أصحابها وقد لا ينفع بعد كلّ شيء النّدم.
كلمتك إلى القراء؟
الأمة مقبلة على تغيرات، وهي تخطو خطوات رائدة وواسعة، ومن المهم تكثيف المراجعات، حَتّى لا يقع الإنسان ضحية التّجارب، فليس النّاس «فئران مختبر»، وما يهمني في المقام الأول هو هذا الجيل الصّاعد من الشّباب والشّابات، أنا ألحظ التّقصير الشّديد تجاههم رغم كلّ ما يبذل، يحتاج الشّاب إلى من يمسك بيده ويأخذه بحُنُوّ ليوصله إلى طريقه الصّحيح، الأجيال الماضية عانت التّخبطات في الكثير من منعطفات حياتها، ولهذا نرجو أن لا يعيش شباب اليوم معاناة الأمس، وعليه ينبغي أن تُلْزَم المؤسّسات الأدبيّة والثّقافيّة بالاعتناء بهذه الشّريحة على طراز بيوت الرّياضة، وهذه العناية لا تكون بآحاد النّاس تشتعل يومًا وتنطفئ ما بقي الدّهر؛ لمجرد هَبّة ريح، إن الجميع مَعْنِيّ بتطوير الوطن، ولا يكون ذلك إلا بتكاتف المؤسّسات الحكوميّة وسائر كفاءات المجتمع المدنيّ ومؤسّسات القطاع الخاص، حينها سنلمس نقلة نوعيّة فريدة، نطمح منها أن نرى التّميز كائنًا يسير على قدمين.