رجل حقق لياقة القراءة
قرأت أكثر من مليونين ومائتي ألف صفحة في حياتي.. هكذا قال عن نفسه مبررا هذا العدد الكبير بقوله إنه خصص طوال حياته عشر ساعات يوميا للقراءة وهو ما يقدره بحوالي 200 صفحة على الأقل يوميا منذ تعلم القراءة مواظبا على ذلك. إنه الشيخ علي الطنطاوي «1909 - 1999م» وهو عالم وخطيب سوري مقيم في المملكة، ومن المحدثين الموسوعيين، حيث إنه كان وعندما يتحدث في موضوع ما يأتي به من مختلف أطرافه مثل الجانب الشرعي والأدبي والثقافي وحتى العلمي.
وقد كتبت عنه حفيدته «عابدة المؤيد العظم» «هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي» بأن اطلاعه الواسع أتاح له أن يعمل في عدة مجالات مرتبطة بالقراءة والاطلاع مثل التدريس والقضاء والخطابة والأدب والإصلاح، وكتب في أشهر الصحف كالناقد والشعب والرسالة. وعندما توفي والده كان عليه ديون كثيرة فبيع كل ما في البيت لكنه رفض أن يبيع كتب والده لكي يسدد الديون. وكان إذا أعجبه كتاب فإنه يشتري نسخا منه ويوزعه على بيوت بناته. ولديه - رحمه الله - طقوس خاصة في التعامل مع الكتب حيث كان يمنع أي أحد من أن يبلل سبابته كي يقلب الصفحة، كما كان يمنع أي شخص من وضع قلم داخل الكتب لحفظ موقع القراءة أو ثني الورقة أو قلب الكتاب. ولم يكن يسمح بخروج أي كتاب من البيت إلا بصعوبة تزداد مع ندرة الكتاب، وإذا حصل وأعار أحدا كتابا فإنه يتابع إرجاعه إليه بمختلف الطرق.
وفي كتابها الثاني «جدي علي الطنطاوي كما عرفته» تنقل عنه حفيدته قوله: جربت اللذائذ كلها، فما وجدت أمتع من الخلوة بكتاب، وإذا كان للناس ميول، وكانت لهم رغبات؛ فإن الميل إلى المطالعة والرغبة فيها، هي أفضلها.
عرفه الناس بشكل كبير من خلال بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية مثل برنامج نور وهداية وبرنامج «على مائدة الإفطار» الذي استمر 25 عاما خلال شهر رمضان. ومن تابع برامجه يعرف لماذا كان هذا العملاق يستطرد كثيرا في حديثه!! بذاكرته الموسوعية التي كان يتمتع بها في مختلف جوانب العلم حتى سمى أديب الفقهاء وفقيه الأدباء «كتاب القراءة صنعة العظماء».
ويقول «في كتاب تشجيع القراءة»: شغلي الدائم المطالعة، فأنا اليوم، وأنا بالأمس، كما كنت في الصغر أمضي يومي أكثره في الدار أقرأ، وربما مر علي يوم أقرأ فيه ثلاثمائة صفحة أقرأ في كل موضوع، حتى في الموضوعات العلمية. وأنا مستمر على ذلك من يوم تعلمت القراءة، وأنا صغير، من نحو سبعين سنة إلا قليلا، أصرف فضل وقتي كله في القراءة.
وفي أواخر حياته اعتزل الناس ولم يكن يصنع غير القراءة والكتابة وكأنه يستشهد بمقولة: اشيب وناظري عن الكتب لا يغيب، أو بمن يقول «لا تقرأ كما يفعل الأطفال ليتسلوا، أو كما الطامحون من أجل التعلم، بل اقرأ لتعيش، فالقراءة حياة».