هزيمة نجيب محفوظ
قالها بصراحة واضحة الأستاذ الكبير نجيب محفوظ إن «أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف بصري». وأضاف «ذلك أن القراءة ظلت على مدار أعوام طويلة روتينا ثابتا في حياتي.. إذ أقرأ الصحف في الصباح الباكر وبعدها أقرأ لساعات متصلة ما أعتزم قراءته من كتب». وقد أوصاه الأطباء بالتوقف عن القراءة أو التقليل منها إلى أقل حد ممكن، ولم يكن أمامه سوى الإذعان لهذا الطلب. ويا له من تعلق خيالي بعالم القراءة والكتب لحد أن يعتبر فقدانه أكبر هزيمة في حياته. كما كان محفوظ يدعو الشباب دائما إلى القراءة وكأنه كان يشعر بأن من هجم عليه وحاول اغتياله لم يقرأ أيا من رواياته!
ويقول الروائي الكبير نجيب محفوظ إن أول كتاب قرأه هو رواية بوليسية اسمها «ابن جونسون» وهو في الصف الثالث الابتدائي كما روى ذلك عنه صديقه جمال الغيطاني في كتابه «نجيب محفوظ يتذكر».
ويصف نجيب محفوظ تأثير الكلمة على الشعوب بقوله: ظلت وستظل الأعلى تأثيرا والأكثر أهمية في حياة الشعوب، وفن القراءة يعتمد على الكلمة. ولم يكتف هذا الكاتب والروائي الكبير بالقراءة في الأدب فحسب بل كان يقرأ أيضا في الجوانب العلمية والفلسفية وهو ما كان ينعكس في بعض كتاباته. لكنه ومع تقدم عمره فترت لديه الرغبة في الاطلاع على الأدب والروايات والمسرحيات، حيث كان يميل إلى الكتب التي تتحدث عن الحضارة والعلم، مرجعا ذلك إلى أن النصف الثاني من القرن العشرين لم يشهد شوامخ أدبية كبيرة كما كان الحال سابقا.
وقال للغيطاني أيضا عن قراءاته: «لدي نهم حاد للقراءة».. قرأت معظم ما أتيح لي الاطلاع عليه، وقرأت معظم الأعمال العالمية باللغة الإنجليزية كما قرأت بالفرنسية، أصعب شيء قراءة عمل أدبي في لغته الأصلية لأن الأسلوب الأدبي منمق وأحيانا يكون صعبا أما قراءة كتاب علمي فهو أسهل لأن الأسلوب واضح.
وكان من عاداته في القراءة أنه لم يقرأ عملا أدبيا مرتين قائلا: كانت الرقعة واسعة جدا، ونهمي إلى الجديد لا يسمح بقراءة عمل مرتين. كان فيه أعمال عزيزة على نفسي كان يجب أن أقرأها مرتين مثل“الحرب والسلام لتولستوي والبحث عن الزمن الضائع. ولم يكن هذا الكاتب - الذي نال جائزة نوبل للأدب وقلادة النيل - محبا للقراءة فحسب بل كان أيضا محبا لاقتناء الكتب وجمعها. ونتيجة هذا الولع بالكتب فقد استطاع أن يتجاوز عددا كبيرا من الكتاب المصريين والعرب وأن يكتب عددا من الروايات التي أصبحت علامات فارقة في الأدب العربي والعالمي، كما تحولت إلى عشرات الأفلام العربية ومثل بعضها بلغات أخرى.
ختاما فإن طريق الشهرة لم تكن دائما ممهدة أمامه فقد رفضت بعض رواياته في بداياته، فقام بتحوير بعضها إلى قصص حتى يتم نشرها في صحف ومجلات.