آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

تعلم كيف تمحو

ياسين آل خليل

مسامحتك وعفوك عن شخص على أمر قام بفعله بك، لا يعني بالضرورة موافقتك على فعله. عفوك عن هذا الشخص يعني أنك اتخذت قرارا بعدم الخوض في ذلك الشأن بعد اليوم، وأنك قد أغلقت هذا الملف، وأخذت عهدًا وموثقا على نفسك بأن تفتح صفحة جديدة لا تشوبها شائبة ولا تعيبها عائبة.

لا شك أن التسامح عملية صعبة، لكنها أيضًا صفة من صفات الأقوياء. بعض الأعمال قد تكون قبيحة لدرجة أنها غير جديرة بالمغفرة، لكننا مع هذا نُقْدِم على مسامحة الآخر من أجل راحتنا النفسية، والابتعاد عن كل ما يقلقنا من أعمال صادمة، تعكر صفو الحياة وتلوثها.

الكراهية والمعاداة التي يحملها شخص ما ضد آخر، ما هي إلا علامة على أن هذا الشخص لم يكتشف بعد الكيفية الصحيحة للتعامل مع أمر ما في حياته. من الطبيعي أن تُودي هذه الخصومة بهذا الشخص إلى حالة من الاضطراب والتوتر، وعدم الاستقرار النفسي، وقد تطول هذه المعاناة، إذا لم يبادر هذا الشخص بإيجاد حل لها في القريب العاجل.

ممارساتنا الحياتية عَلّمَتنا أننا كلّما عكفنا على عَمَل شيء ما، كلّمَا أصبحنا فيه أفضل. لهذا علينا أن نُوَجّه عقولنا وندربها على أن تكون انتقائية في اختيارها واشتغالها بما تفكر به. مع مرور الوقت يمكننا تطويع عقولنا على نسيان ما تحمله من شَحْناء وخُصومة، واستبدالها بمهارات ومُمارسات تسامحية تمكننا من التدرج وبسلاسة الى مراحل نشعر فيها أننا قد تحررنا من الضغوطات الناتجة عن القلق والتوتر.

التسامح خيار شخصي قد ينتهي بمصالحة ورضا من قبل الطرف الآخر، أو ربما لا. بِغَضّ النظر عن النتيجة النهائية، ما نصبوا إليه هو تحقيق السلام الداخلي لأنفسنا المتعبة، وتحرير تلك الطاقة المبددة في تحمل المُعاداة، لاستثمارها في أمور بَنّاءة تعود على كلا الطرفين بالرّاحَةِ والنمُوّ والاستقرار.

في مسعانا لمسامحة الآخرين على ما اقترفوه في حقنا، نحن ليس بالضرورة أن نتمكن من محو جميع الآلام التي تراكمت عبر السنين، أو أن نتخلص من كُلّ المشاعر السلبية التي تُرَاودنا بين الفينة والأخرى. في النهاية، نحن سنصل الى المستوى الذي لم تعد فيه هذه الأمور تتصدر قائمة المَهام التي تركز عليها عقولنا، كما في السابق.

مهما كانت تجارب الماضي مؤلمة، لكنها من المُؤَمّل أنها تركت أثرًا إيجابيا، من ناحية انها افادتك وأضافت لك تجارب مُلهمة على طريق المستقبل الواعد. أحَد أكثر الطرق فعالية لاحتضان الحاضر، والاستمتاع به، أن تتعلم كيف تمحو هفوات الآخرين، وأن تتخلى عن الخوض في مآلات الماضي. هذا بدوره سيمنحك فرصة الانغماس في تجارب إيجابية، وصنع ذكريات جديدة مع أشخاص إيجابيين يعيدوا لك البسمة، ومنها بحول القادر، تستعيد سعادتك وحياتك وأمنك الداخلي.