مآلات الحزام الأخضر
في تقرير حالة البيئة الصادر في عام 2016، تخبرنا هيئة للأرصاد وحماية البيئة بأن منطقة الرياض الإدارية هي صاحبة الحصة الأعلى على مستوى المساحة المزروعة، وأن المنطقة الشرقية هي الأقل حظا، وتحيل أسباب ذلك إلى“سيادة الأراضي الصحراوية فيها، أي الشرقية، مشيرة إلى تناقص الرقعة الزراعية على طول المملكة باستثناء الرياض التي تشهدا ارتفاعا!.
هذا التقرير الذي لا نملك نسخة أحدث منه، يستعين بإحصائيات من عام 2014، فيها نرى كيف خسرت المنطقة الشرقية ثلث مساحتها الزراعية خلال 5 سنوات فقط، ما بين 2009 و2013، واذا ما استمرت الوتيرة بهذا النحو، فإنه من المقدر خسران كامل المساحة في غضون سنوات قليلة جدا.
لا يمثل هذا التقرير صدمة لمن يسمع صوت الجرافات وهو يعبر بين المزارع في السنوات الأخيرة، كلما مضى واحد من الذين آمنوا بالأرض إلى جوار ربه سقطت وراءه الأشجار وارتفعت جدران المشاريع التجارية، لم تعد الشوارع تأخذك إلى بهجة النظر لاخضرار الأرض، فليس سوى ممرات كالحة بين الجدران الاسمنتية، حتى في حصار الكورونا كانت مشاريع التجريف لا تهدأ، تعيد هندسة الفضاء الزراعي بمعطيات الاسثتمار والربح المضمون، التي لا تريد أنتظار مواسم الحصاد، ولا بذل الوقت في تهيئة الأرض لمنتجات ربحها في مهب الريح دائماَ.
هذا المتنفس البيئي يوشك أن يندثر، ويصبح نسيا منسيا، فحتى الماء الجوفي يتملح ويملح معه التربة التي ستصبح غير صالحة للزراعة هي الأخرى، مايجعل آخر صور الواحة ومفرداتها عرضة للزوال، وبها تمحى ذاكرة المكان وعلاماته البارزة، لا أجد في هذا الحديث دعوة للبكاء، بل للتفكير في بدائل وحلول، مبادرات ومشاريع، تحفظ لنا بعضا من ملامح الريف، وصور الواحة، والحزام الأخضر، ويحفظ لنا التوازن البيئي كي لا نتصحر، ولا نوكل أمرنا لزحف الإسمنت الذي يحاصر كل شيء.
الجرافات لا تعرف قيمة الأرض، ولا ذاكرتها، هي مأمورة لسلطان المال، وما ينتظر في هذا المشهد الجنائزي لآخر نبتة خضراء على هذا الرقعة الجغرافية أن ترتفع الأصوات، وتبدأ لحظة التفكير في حلول جذرية، لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم، حلول تمسك بعناوين التنمية البيئية في يد، والتطوير الحضري بيد أخرى، دون أن يضحى بأحدهما لأجل الآخر، حلول تعيد النظر في طريقة إدارة الملف البيئي على طول الإقليم، بالانطلاق من مؤشرات التدهور في الرقعة الزراعية، لتطال البيئة البحرية وما اتصل بها من اشكالات سببها الردم والتجريف.
نخشى أن يكون هذا التقرير وغيره من الدراسات والتقارير مجرد شهادة للتاريخ، بأن الحياة قد مرت من هنا، وأن أعناق النخيل طاولت هامت السماء ثم استراحت، لتصبح مجرد حكاية نرويها للأجيال القادمة بضمير بارد.