انتخابات الخليج.. فضيلة التعدد والاختلاف
يتحدث الناس عن التوافق على مرشيح وحيد باعتباره فضيلة، ويرون فيه سببا لتفادي الخلافات والخصومات، تفتح التغريدات وتقرأ التصريحات فيطل لك هذا المعنى بين السطور وفوقها، فهل صحيح أن التوافق هو عنوان توزان للمجتمع وللعملية الانتخابية؟.. برأيي هنالك سعي للتخويف من الاختلاف، وكأنه قرين الفوضى، بينما الاختلاف فضيلة المجتمعات المدنية، فالناس فيها لا يمكن أن يدخلوا جميعا تحت عباءة واحدة، تعدد أذواقهم وأفكارهم ومشاربهم هو نشيدهم في محاربة الصوت الواحد، طريقهم للخروج من عتمة الجماعة الواحدة، لذلك يصبح التعدد وحده هو الكاشف الحقيقي عن طبيعة وجودهم وتنوعهم.
النادي كما الناس ليسوا بحاجة إلى مشاريع ”لم شمل“، من يربح السباق الانتخابي يفرش له السجاد الأحمر ويبدأ مهامه، والآخرون ليس واجبهم تكسير ”العوارض“، بل القبول بالنتائج ومراقبة الأداء والمشاركة في تطويره ما استطاعوا.. الذين يعترضون على النتائج هم خصماء أنفسهم أولا، لأنهم قبلوا بقواعد اللعبة ثم نقضوها، لا حاجة لترويضهم ولا التسوية معهم، طالما كانوا غرباء عن الممارسة الديمقراطية.. هم بحاجة إلى التواضع أولا، والتجرد من ترسبات الذات في صياغة موقعهم من النادي ثانيا.
تعدد المرشحين يعني تعدد الأفكار، وتعدد الراغبين في تطوير النادي وأنشطته، هذه السعة لا ينبغي مصادرتها ولا تطويقها حتى لا تنتهي الممارسة الانتخابية إلى فعل تزكية لمرشح وحيد لا أكثر.. التعدد هو بمثابة تحد لكل مرشح، وتنوع في الخيارات بالنسبة للناخبين، هكذا تقرأ الممارسة الانتخابية، لا يمكن أن نرسم طريقا وحيدا وندفع الناس إليه دفعا، وإذا سارت الأمور في اتجاه مرشح وحيد فهذا يقرأ على نحوين: عزوف القامات الاجتماعية عن التنافس في إدارة مؤسسات المجتمع، أو تراجع جاذبية النادي كمؤسسة لدى الناس.
ما يخافه الناس ليس الاختلاف الحضاري الذي تدفع له أي صيغة انتخابية، بل هي الخصومات التي تنمو على هامشه كالطحالب، ويغذيها هوام الناس، ممن يرون في النادي ساحة لتحقيق المكاسب لا أكثر، لا ينبغي أن يخاف الناس وصول أي أحد عبر الصناديق، بل أن تصبح الصناديق في كل ممارساتنا الانتخابية ممهورة بإسم واحد فقط..
الأسماء هي الباب الأول في كل عملية انتخابية، والباب الثاني هو البرامج والخطط التي يملكها كل مرشح، لا يلغي التعلق بالأسماء ضرورة البحث في دفاتر كل مرشح، عن ما يحمله من تطلعات، ومبادرات، وخطط، هنا فقط يتنافسون المتنافسون، وليس على رقعة الألقاب والأنساب.
أتمنى أن تتسع دائرة المرشحين، وتتراجع مخاوف الخائفين من التعدد والاختلاف، حتى نستعيد معنى ”الانتخاب“ وحتى يستعيد المكان روحه وصورته، وهي صورة التنوع والتعدد على قاعدة الاحترام والقبول.