شاطئ للسباحة «بلاج» في القطيف
قبل اعوام وقبل تقاعدي من عملي في البنك السعودي البريطاني ”ساب“ زارني زميل عمل اوروبي، وكانت هذه أول مرة يزور فيها المملكة، والمنطقة الشرقية آخر محطاته، وصادف ان كانت رحلة مغادرته للمملكة من الدمام مساء الجمعة، فكان نهار الجمعة خاليا من اي ارتباطات عمل. فعرضت عليه زيارة القطيف وتناول وجبة غداء قطيفي في منزلي. كانت الزيارة في منتصف شهر ديسمبر وقبيل اجازات اعياد الميلاد ورأس السنة، كان الجو في المنطقة مقارنة بما كان عليه في اوروبا بديعاً ”درجة حرارة معتدلة وسماء صافية وبحر هادئ متلالئ بأشعة شمس غير حارقة“ فكان اليوم مثالياً ًللتنزه. كما كان لدينا الوقت الكافي للتجول في كافة انحاء القطيف دون مشقة أو ملل. وقد أعجب بجمال القطيف وادهشه ما سمعه مني عن تاريخها العريق. وكان يشعر بالارتياح للطف الناس الذين قابلناهم في القرى وترحيبهم بنا وعرضهم استضافتنا في منازلهم، وهو أمر لم يعتد عليه في اوروبا حيث سلوك الناس وطبائعهم مختلفة تماماً. وفي منزلي وبعد أن أنهينا وجبة الغذاء، جلسنا نتبادل اطراف الحديث عن القطيف ماضيها وحاضرها، فكان أن سألني سؤالين ”لا زلت اتذكرهم وكأنهم بالأمس“ أين هو شاطئكم البحري الذي تسبحون فيه وتقضون عطلتكم الصيفية على سواحله؟ اما السؤال الثاني فكان بما أن القطيف بهذه العراقة والعمق التاريخي، الا يوجد بها متحف تاريخي يعرض فيه مسيرتها التاريخية؟
فكانت اجاباتي على هذين السؤالين كلها تبرير وتعليل ودفاع عن غيابهم من خارطة القطيف. فعلى السؤال الأول أجبته بأن موقع القطيف الجغرافي على ساحل الخليج العربي وبسبب المد والجزر في منطقة ليست عالية الموج وليس بها تيارات بحرية سريعة، ولكون القطيف واحة زراعية وتربتها ليست رملية، كل ذلك جعل سواحلها طينية، وهذه غير مناسبة للسباحة، بل قد تشكل خطر على السابحين.. فكان رده بسيط جدا ً، أن ذلك ممكن، ولكن مثلما استطعتم دفن البحر وتحويله لأراضٍ تشيدون عليها منازلكم، يمكنكم تخصيص جزءاً من هذا الساحل وحصره في مساحة معينة ومعالجته كي يكون ساحلاً رملياً مناسباً للمصطافين وآمناً للسباحين، ولديكم من الرمل ما يكفي لدفن كل الخليج. كان ردي عليه بعد ذلك هو أن مثل هذه الفكرة لا بد انها راودت رجال البلدية، ومن غير البعيد انهم وجدوا ان الامر بالغ الصعوبة في تنفيذها، ثم أن لدينا شاطئ خليج نصف القمر، وهو بلاج في قمة الروعة، ويبعد عن القطيف حوالي 90 دقيقة، ويمكن للجميع الذهاب اليه في أي وقت. لم يقتنع بجوابي، وتمسك بوجهة نظره بأن مدينة بمثل هذه العدد السكاني وتمتلك سواحل بهذا الطول يفترض ان يكون بها بلاج. أنهينا نقاشنا بأن قلت له ربما تتغير الظروف ويكون لدى القائمين على البلدية رؤية اخرى، تجعلهم يتبنون هذه الفكرة ويعملون على تحقيقها..
اليوم تغيرت الظروف، وأصبح الاهتمام بالسياحة الداخلية واقامة مراكز ترفيهية في مختلف مناطق الوطن ضمن اولويات الحكومة، فهل من الممكن ان تنطرح مثل هذه الفكرة على طاولات رجال البلدية، والسياحة والترفيه، أو أي جهة أخرى معنية بذلك ليس في القطيف فحسب، بل وفي الدمام ايضاً؟ وتكون ضمن خططهم القريبة المدى؟
اما بخصوص المتحف، فقد كان جوابي ان في الدمام يوجد متحف يعرض بعضاً من المكتشفات الاثرية المعثور عليها في مختلف بقاع المنطقة الشرقية، وهناك مشروع لنقله الى مبنى جديد سيطل على البحر وبالقرب من سيهات، ومن المؤكد انه سيتم بناءه وفق الهندسة العصرية للمتاحف، مما سيجعله احدى المعالم البارزة للمنطقة الشرقية وستغطي موجوداته ومعروضاته كل مدن الجانب الشرقي للمملكة... مع الأسف يبدو أن فكرة المتحف الجديد اما انها ألغيت أو تأجلت، لأن اللوحة التي كانت تشير الى موقع المتحف الجديد قد ازيلت، ولم اجد لوحة أخرى في مكان آخر. ولكن لنضع التفاؤل أمامنا ونتمنى أن يكون إزالة اللوحة مجرد تغيير في الخطة، واننا قريبا سنسمع عن البدء في تنفيذ متحف المنطقة الشرقية الجديد. حينها سأكون سعيدا أن اكتب لهذا الزميل عن وجود ما سألني عنه.