ماذا نفهم عن اليوم الوطني
بمناسبة اليوم الوطني يحلو لنا الحديث عن تدوير الزوايا في فهم الوطن وحقيقة حب الوطن هل هو التعلق بالأرض أم الوطن يتعدى حدود التراب؟ الواضح من خلال النصوص التي أشارت إلى العلاقة بين الإنسان ومسقط رأسه الحاكم فيها الظروف المحيطة بتلك البقعة الجغرافية من الأرض فإذا توفرت عناصر الحياة الأساسية لاستقرار الإنسان وأهمها الرزق والأمان «فل يعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».
على الصعيد النظري هناك من الروايات والأحاديث في الكتب المقدسة لكل الأديان، ويمكن القول إن الدين الإسلام هو من رسخ هذا المفهوم وجسّده نبي الإسلام محمد عليه وعلى آلة أزكى الصلاة والسلام حيث قال: «حب الوطن من الإيمان» ربما يقول البعض ممن لا يروق لهم الحديث عن الوطن أن الحديث مكذوب، ولكن ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآلة وصحبه في حبه وشوقه لمسقط رأسه يكفي دلالة على حب الوطن.
على الصعيد العملي الواقعي، فإن هذه الغريزة لا ينفرد بها الإنسان وحده وإنما يتعداه إلى كل الكائنات الحية وربما يتساوى فيه الإنسان والحيوان، وقد أثبت العلماء أن الحيوان يألف مكان عيشه، وإن هاجر عن موطنه في فصول العام ما يلبث أن يعود إلى أوكاره، إن التجربة التي يخوضها العالم بأسره منذ بداية جائحة كورونا كشفت أسرار كثيرة ومن تلك الأسرار علاقة كل مواطن وحبه لوطنه، وصل ذلك الحب والعشق إلى حد المغامرة والقتال من أجل العودة إلى أرض الوطن.
والمواطن السعودي كغيره من البشر ليس استثناء برهن على صدق هذا الشوق والحنين الذي يعتمل في نفس كل مواطن عاكسته الظروف وعلق في بقاع المعمورة مُدَدًا متفاوتة تراوحت بين شهر وسبعة شهور، وعينه شاخصة إلى وطنه رغم المعاناة التي تعرض لها في محاولاته للعودة إلى وطنه.
حدثني مواطن عاش في المهجر بعيداً عن أرض الوطن ضمن الذين احصروا في مواقع تواجدهم وبعض تلك الأماكن تميزت بروعتها السياحية وأجوائها اللطيفة في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا. وبعض المواطنين نالوا نصيبهم من الرعاية من حكومة خادم الحرمين الشريفين في أماكن تواجدهم وما كان ينقصهم إلا العودة إلى الوطن، لكن السؤال الكبير الذي أجتمع عليه العالقون في الخارج؟ لماذا تسارع المواطنون للعودة إلى أرض الوطن؟ هل هو الخوف من الإصابة بفيروس كوفيد 19؟ أم الخوف على الأهل والأحبة في الوطن؟ الجواب إن تلك المخاوف والخشية هي مجرد ترجمة لما يختزن في دواخل كل مواطن عاش التجربة وفي الحقيقة هو الحب والعشق إلى الوطن، وقد ظهرت تلك المشاعر بصوت مرتفع في أدعية العاشقين للعودة إلى الوطن بقولهم «اللهم إن أردت أن تأخذ أمانتك فنسألك الوصول إلى أرض الوطن ونفوض الأمر إليك يا أرحم الراحمين».
ربما يتصور البعض أن مجرد الخروج من الوطن لأسباب إنسانية بحثا عن مصدر رزقه مضطراً دفعا للعوز والحاجة إلى الناس حتى لا يكون فريسة للذل والهوان، أو لأسباب سياسية، ليدفع عنه الاضطهاد والكبت والظلم وسلب الحق والتمييز، أن تلك الآلام تشكل عبئا على الإنسان فيتنكر لأرضه ووطنه، هذا التصور غير صحيح، ويخالف فطرة الإنسان، وقد قال الله سبحانه وتعالى «إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا» سورة النساء آية 97 فأرض الله ليست بالضرورة موطن الإنسان الذي ولد فيه وهنا يتوجب عليه كسر هذه القاعدة والعمل بالقاعدة الأهم التي سوف يسأل عنها إذا قصّر ورضي بالذل والهوان، يقول: الإمام على ”الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن“.
الذين جربوا صعوبة العيش والخوف من المصير المجهل، يجيبون على هذا السؤال إذا رجعوا إلى ذواتهم وحاكوا فطرتهم فإن نعيم الحرية وحفظ الكرامة وتأمين لقمة الجيش كل ذلك الرفاه مطلوب لكنه لا يصمد أمام حب الوطن والالتصاق به والإحساس بالانتماء إليه، إذا كان الخيار متروك له والقرار بيده.
الاجتهادات في تعريف المواطن الذي تنطبق عليه شروط المواطنة، فمنهم من اكتفى بوصف الإنسان الذي يحمل مشاعر الحنين الصادق لوطنه.