على عتبات النص
على عتبات الزمن أحداث فتحت لا صحابها بوابة التاريخ، بهذه المقدمة الجميلة كان يفتتح المذيع الإماراتي المشهور أحمد سالم برنامجه الشهير ”حدث في مثل هذا اليوم“.
وبهذا فإن هناك عتبة وهناك بوابة للولوج، وبوابتنا في هذا العرض هو النص ولكن للولوج اليه في الواقع عدة عتبات.
فالنص كما اجمع النقاد يرتكز على عدة اعتاب اولها العنوان والعنوان الفرعي وسنة كتابته، ثم الاهداء والمقدمة او المدخل، وانتهاء بالخاتمة أو النهاية.
إلا أن تركيزنا سينصب على عتبة الاهداء لدلالتها الهامة لدي المؤلفين، فبعضها يعرف بموضوع الكتاب وبعضها يشير إلى التعريف بقيمة المهدى له، وبعضها يحمل شيئا من الطرافة والغرابة، وبعضها ينضح بالألم والحزن، على اختلاف التعبير بين المؤلفين.
والقصد من الاهداء الذي سنعرض له هو ذلك الذي يأتي ضمن طبعة الكتاب ومن ضمن صفحاته، دون الاهداء الذي يتم فيما بعد أو ما يعرف بالتوقيع فذاك له بحث آخر ان شاء الله.
قد يطول الاهداء ويتضمن سطورا عديدة وكأنما هي ملحمة أعدها المؤلف، وقد يقتصر على كلمة أو كلمتين تفي بالغرض.
وقد يكون الاهداء لشخص معين أو لجنس معين، أو لأمة معينة، او يكون الإهداء مفتوحا لكل من يقرأ الكتاب.
من طرائف الاهداءات اهداء كتاب «ذكريات سمين سابق» للإعلامي تركي الدخيل، الذي يتحدث عن تجربته في التخلص من السمنة فيقول: ”إلى الميزان، بأنواعه الإلكتروني منه، وذي المؤشر الأحمر! أيها الصامد أمام أوزان البشر، يا من تتحمل البدين منهم والنحيف، يا من تصبر على ثقل دمهم قبل ثقل أجسادهم“
من الإهداءات التي تخص القارئ ما عبر عنه الشاعر الكبير محمد الجلواح في كتابه ”فضاءات“ حيث يقول:
أخي القارئ العزيز...
أهديك تحيتي ومودتي وتقديري،
وأشكرك لمنحك إياي وقتا للقراءة..،
ويسعدني أن أضع بين عينيك الكريمتين هذه الاضمامة
التي تأخذك إلى «فضاءات» متنوعة،
متمنيا لك تحليقا أرضيا هادئا،
ورحلة مطمئنة.. كما أتمنى لك صحة طيبة
وراحة بال هانئة..
المؤلف محمد الجلواح
وقد يكون من أقصر الإهداءات إهداء الكاتبة حياة شرارة في روايتها الشهيرة ”اذا الأيام أغسقت“ حيث تقول: إلى زينب، ابنة حياة.
في المقابل فإن اهداء الروائية الشهيرة أحلام مستغانمي في روايتها ”الأسود يليق بك“ يعتبر من الإهداءات الطويلة، والتي وجهتها لصديقتها حيث تقول:
سألتها:
- والآن..أتندمين على عشق التهم تلابيب شبابك؟
ردت بمزاج غائب:
كانت سعادة فائقة الاشتعال، لا يمكن إطالة عمرها، كل ما استطعته إيقاد المزيد من النار..لأطيل عمر الرماد من بعده.
من أجل صديقتي الجميلة التي تعيش على الغبار الذهبي لسعادة غابرة، وترى في الألم كرامة تجمِل العذاب، نثرت كل هذه النوتات الموسيقية في كتاب.. علني أعلمها الرقص على الرماد.
من يرقص ينفض عنه غبار الذاكرة.
كفى مكابرة.. قومي للرقص.
في حين اختصرت فاطمة عبد الحميد في قصصها القصيرة ”كطائرة ورقية“ الاهداء بقولها:
هنالك مالم أقله لك بعد...
ستهبطين من نجمتك عما قليل لتقرئيني!!
إلى أمي
أما الشاعر والأديب الكبير سعود الفرج فكان الاهداء في كتابه ”شعراء مبدعون من الجزيرة والخليج“ لشريكة حياته حيث يقول:
إلى الانسانة التي وقفت معي
حتى استطاع هذا الجهد أن يرى النور
إلى شريكة حياتي الغالية
أقدم باكورة انتاجي
وفي حين قدم الفرج باكورة انتاجه لشريكة حياته، آثر الشاعر المبدع والإعلامي المميز محمد الحمادي أن يكون اهداؤه مميزا في ديوانه الألم في اتجاه معاكس حيث يقول:
لم يبق الكثير
ولن يكون الكتاب مفتوحا للأبد
إلى الذي يبحث عن امرأة أخرى...
عن وطن آخر...
وقد يصبغ الاهداء بصبغة حزن وألم تعبر عن عمق المأساة والمعاناة، كما عبر عن ذلك المرحوم العلامة الشيخ عبد الحميد الخطي في ديوانه ”اللحن الحزين“ حيث يقول:
إلى الوردة التي قطفت قبل إبان قطافها،
إلى من جنات النعيم مأواه،
إلى: ولدي كامل
أبوك عبد الحميد الخطي.
وللتنويه فإن الشيخ رضوان الله عليه له ابن اسمه كامل يعمل الآن في منصب مستشار دائرة الأوقاف والمواريث.
وليس بالضرورة أن يكون الاهداء نثرا فقط، فقد يكون شعرا يحوي البيت أو البيتين وربما يتطور إلى مقطوعة كاملة، كما عبر عن ذلك الشاعر المبدع جاسم الصحيح في ديوانه ”قريب من البحر بعيد عن الزرقة“ حيث يقول:
يا أنت يا من في حقول بياني
تستنبتين قصائدا وأغاني
أنا ما انتميت إلى زماني شاعرا
حتى زرعتك في عيون زماني
وصرخت من قلبي: «أحبك» والهوى
ما زال يصرخ بالدم الملآن
قولان في الدنيا لكل قضية
إلا «أحبك» ما لها قولان
هي كلمة كبرت معي وترعرعت
في الحبر بين خواطر ومعاني
هي جمرة كبرت معي وترعرعت
في القلب بين حرائق ودخان
وأتيت كي أهدي إليك حكاية
عن جمرة آلت إلى بركان
وأتيت كي أهدي إليك حكاية
عن كلمة آلت إلى «ديوان»
وختاما هذه بعض الاطلالات السريعة على مجموعة الإهداءات المختلفة شكلا ونسقا بحسب ما خصصت له وهناك الكثير ما يقصر عنه هذا المقال، ولكن تتسع له عتبة النص.